يُحكى أَنَّهُ في قَديمِ الزَّمانِ بِنْتٌ صَغيرَةٌ مَعَ أُمِّها، التّي كانَتْ أَرْمَلَةً. كانَتا فَقيرَتَيْنِ جِدًا، وَجَدَتا، في أَحَدِ الأَيامِ، أَنَّهُما لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُما شَيْءٌ لِتِأْكُلاهُ.

ذَهَبَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ إلى الغابَةِ لِكَي تَلْعَبَ هُناكَ. كانَتْ جائِعَةً جِدًا، حَتّى صارَت تَبْكي مِنْ شِدَّةِ الجوعِ.

جاءَتْ إِلَيْها امْرَأَةٌ عَجوزٌ، وَسَأَلَتْها قائِلَةً:

“لِماذا تَبْكينَ يا بُنَيَّتي؟”

فَأَجابَتْها البِنْتُ الصَّغيرَةُ بِقَوْلِها:

“لِأَنَّني جائِعَةٌ جِدًا.”

فَقالَتْ لَها المَرأَةُ العَجوزُ:

“لَنْ تَجوعي أَبَدًا بَعْدَ اليَوْمِ.”

ثُمَّ أَعْطَتِ البِنْتَ الصَّغيرَةَ قِدْرًا صَغيرَةً لِلْطَّبْخِ.

قالَتِ المَرْأَةُ العَجوزُ لِلْبِنْتِ الصَّغيرَةِ بَعْدَ ذلِكَ:

” عِنْدَما تَجوعينَ قولي لِلْقِدْرِ: “أُطْبُخي، أَيََتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، أُطْبُخي!، وَسَوْفَ تَطْبُخُ لَكِ مُهَلَّبِيَّةً (حَلوى مَصْنوعَةً مِنَ الرُّزِ المَطْحونُ وَالحَليبِ وَالسُّكَّرِ) لّذيذَةً جِدًا”.

ثُمَّ تابَعَتِ المَرأَةُ العَجوزُ كَلامَها قائِلَةً: “عِنْدَما تُريدينَ القِدْرَ أَنْ تَتَوَقفَ عَنِ الطَّبْخِ، يَجِبُ عَلَيْكِ أَنْ تَقولي لَها: تَوَقَفي عَنِ الطَّبْخِ، أَيَّتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، تَّوَقَفي.”

كانَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ جائِعَةً جِدًا، وَأَرادَتِ الحُصولَ عَلى قَليلٍ مِنَ المُهَلَّبِيَّةِ في الحالِ. فَقالَتْ لِلْقِدْرِ الصَّغيرَةِ:

“أُطْبُخي، أَيََتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، أُطْبُخي!”

فَعَلَتْ قِدْرُ الطَّبْخِ الصَّغيرة ما طُلِبَ مِنْها، وَراحَتْ تَطْبُخُ قَليلًا مِنَ المُهَلَّبِيَّةِ. واسْتَطاعَتِ البِنْتُ الصَّغيرةُ بِصُعوبَةٍ الانْتِطارَ حَتّى تَذوقَها.

وَعِنْدَما طُبِخَتِ المُهَلَّبِيَّةُ، قالَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ لِلْقِدْرِ: “تَوَقَفي أَيَّتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، تَّوَقَفي”. كانَ طَعْمُ المُهَلَّبِيَّةِ لَذيذًا جَدًّا، حَتّى أَكَلَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ كُلَّ ما كانَ في القِدْرِ.

رَكَضَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ إِلى البَيْتِ حامِلَةً القِدْرَ السّحْرِيَةَ إِلى أُمِّها، وَأَخْبَرَتْها بِما قالَتْهُ لَها المَرأَةُ العَجوزُ. فَقالَتِ الأُمُ والفَرَحُ يَمْلَأُ قَلْبَها: “لَقَدْ انْتَهَتْ مَتاعِبُنا الانَ، فالقِدْرُ الصَّغيرَةُ سَتُشْبِعُنا تَمامًا.”

فَصارَتِ الأُمُ وَابنَتُها الصَّغيرَةُ تَقولانِ لِلْقِدْرِ السِّحْرِيَةِ، كُلَّما جاعَتا:

“أُطْبُخي، أَيََتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، أُطْبُخي!”

كانَتِ المُهَلَّبِيَّةُ دائِمًا مُمتازَةً جِدًا، وَكانَ طَعْمُها يُعْجِبِ البِنْتَ وأمَّها كَثيرًا.

ذَهَبَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ إلى الغابَةِ، في أَحَدِ الأَيامِ، لِكَي تَلْعَبَ.

عِنْدَما كانَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ في الغابَةِ، شَعَرَت أمُها بالجوعِ فَقالَتْ لِلْقِدْرِ:

“أُطْبُخي، أَيََتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، أُطْبُخي!”

بَدَأَتِ القِدْرُ بِطَبْخِ المُهَلَّبِيَّةِ. وَراحَتِ الأُمُ تَأْكُلُ مِنْها. وَكانَتِ المُهَلَّبِيَةُ لَذيذَةً جِدًّا، وَلِهذا أَكَلَتِ الأُمُّ مِنْها بِشَهِيَّةٍ كَبيرَةٍ.

انْشَغَلَتِ الأُمُّ كَثيرًا بِأَكْلِ المُهَلَّبِيَّةِ، وَلِهذا نَسِيَتْ أَنْ تَقولَ لِلْقِدْرِ:

” تَوَقَفي عَنِ الطَّبْخِ…”

واصَلَت القِدْرُ طَبْخَ المُهَلَّبِيَّةِ، وَراحَت تَطْبُخُ مِنْها وَتَطْبُخُ.

 وَبَعْدَ مُدَّةٍ قَصيرَةٍ، امْتَلَأَتِ القِدْرُ بالمُهلبيَّةِ، ثُمَّ طَفَحَتْ بِها.

عِنْدَما رَأَتِ الأُمُّ ذلِكَ، عَرَفَتْ أَنَّها يَجِبُ عَلَيْها أنْ تَأُمُرَ القِدْرَ بالتَّوَقُفِ عَنِ الطَّبْخِ. وَلكِنَّها كانَتْ قّدْ نَسِيَتِ الكلِماتِ التي تُقالُ لَها.

وَراحَتِ القِدْرُ تَطْبُخُ المُهَلَّبِيَّةَ دونَ أَنْ تتَوَقَفَ. وَأَصْبَحَتِ المُهلبيّةُ تَنْسَكِبُ على الطّاوِلَةِ، فَغَطَّت سَطْحَها كُلِّها. ثُمَّ غَطَّتْ أَرْضَ المَطْبَخِ كُلَّها.

أَمّا القِدْرُ الصَّغيرَةُ فَقَد ظّلَّتْ تُواصِلُ طَبْخَ المُهَلَّبِيَّةِ بِصورَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ.

 ثُمَّ امْتَلَأَ البَيْتُ كُلُّهُ بِالمُهَلَّبِيَّةِ بِسُرْعَةٍ عَجيبَةٍ. وَراحَتِ القِدرُ تَطْبِخُ المُهَلَّبِيَّةَ بِنَشاطٍ، دونَ أَنْ تَتوَقَف عَنِ الطَّبْخِ لَحْظَةً واحِدَةً.

وَبَعْدَ زَمَنٍ قَليلٍ، امْتَلَأَ البَيْتُ المُجاوِرُ كُلُّهُ بِالمُهَلَبِيَّةِ.

أمّا القِدرُ الصَّغيرةُ فإِنَّها واصَلَت طَبْخَ المُهلّبيّةَ طَبْخًا مُسْتَمِرًا.

وَبَعْدَ مُدَّةٍ منَ الزَّمَنِ، امْتَلَأَتْ بُيوتُ الشارِعِ كُلُّهُا بِالمُهَلَبِيَّةِ. وَما زالَتِ القِدْرُ الصَّغيرَةُ السِحْرِيَّةُ تُواصِلُ طَبْخَ المَزيدِ مِنَ المُهَلَّبِيَّةِ دونَ انْقِطاعٍ.

وَلَمْ يَمُرَّ وَقْتٌ طَويلٌ حَتّى امْتَلَأَت شَوارِعُ البَلَدِ كُلُّهُا بِالمُهَلَبِيَّةِ.

وَما زالَتِ القِدْرُ الصَّغيرَةُ السِحْرِيَّةُ تُواصِلُ طَبْخَ المُهَلَّبِيَّةِ، دونَ أنْ تَتَوَقَفَ عَنْ ذلِكَ.

خَرَجَ جَميعُ سُكّان البَلَدِ إلى الشّوارِعِ مِنْ جَميعِ البُيوتِ.

لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَعْلَمُ كَيْفَ يوقِفُ القِدْرَ الصّغيرَةَ عَنْ مُواصَلَةِ طَبْخِ المُهلَّبيَّةِ، وَقَد ظَلَّت القِدْرُ تَطْبُخُ المُهلَّبيَّةَ، وَتَطْبُخُها بِاستِمْرار دونَ أنْ تَتَوَقَفَ لَحْظَةً واحِدَةً.

ظَنَّ سُكانُ البَلَدِ جَميعُهُم أَنَّ العالَمَ كُلَّهُ سَوْفَ يَمْتَلئ بِالمُهلبيَّةِ بَعْدَ مُدَّةٍ قَصيرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ.

وَحينَما كانَتِ المُهلبية تَقترِبُ مِنْ اخِرِ بِيْتٍ في البَلَد، عادَتِ البِنْتُ الصَّغيرَةُ مِن نُزْهَتِها.

لَمْ تَسْتَطِعْ البِنْتُ الصَّغيرَةُ، في بِدايَةِ الأَمْرِ، أنْ تَعْرِفَ ما جَرى لِلْبَلَدِ.

وَلكِنَّ أُمَّها صاحَت بِها قائِلَةً: “أَرْجوكِ أنْ توقِفي القِدْرَ السّحرِيَةَ الصّغيرةَ عَنْ طَبْخِ المُهلّبيّة في الحال.”

فَقالَتِ البِنْتُ الصَّغيرةُ:

“تَوَقَفي عَنِ الطَّبْخِ، أَيَّتُها القِدْرُ الصَّغيرَةُ، تَّوَقَفي”.

وِأَخيرًا تَوَقَفَت القِدرُ السِحريةُ الصَّغيرةُ عن طَبخِ المُهلّبيّةِ.

صارَ النّاسُ الذينَ يُريدونَ أنْ يدخُلوا ذلك البلدِ، مُضْطَرينَ إلى أكلِ المُهلَّبيَّةِ أو ازالَتَها مِنَ الطّريقِ، لِكَي يَصِلوا إلى البَيتِ الذي يُريدونَ الذَّهابَ إليْهِ.