عَكّا مدينةٌ ساحِلِيَّةٌ رائِعَةُ الجَمالِ، يَأْسِرُ جَمالُها مَن يَزورُها، سَواءٌ أَكانَ قادِمًا مِن البَحْرِ أَو البَرِّ، فَمِنَ البَحْرِ تَبْدو قَلْعَةً شامِخَةً تَتَحدّى أَمْواجَهُ، وَكُلَّما اقتربْتَ مِنْها ازْدادَ شُعورُكَ أَنَّها تَتَقَدَّمُ إِلَيْكَ وَسَطَ البَحْرِ. وَمِنَ البَرِّ تَظْهَرُ حِصْنًا تُحيطُهُ الأَشْجارُ الكَثيفَةُ، وَكُلَّما تَقَدَّمْتَ نَحْوَهُ زِدْتَ إِعْجابًا بِهِ، وَرَغْبَةً في الدُّخولِ إِلَيْهِ، وَاسْتِكْشافِ ما بِداخِلِهِ.
2
من سورِ عَكّا التّاريخِيِّ، تَسْتَطيعُ رَسْمَ صورَةٍ جَميلَةٍ جَديدَةٍ لِعَكّا، فَهْيَ تَقَعُ بَيْنَ بَحْرَيْن: بَحْرٍ أَزْرَقَ مِنْ مِياهِ البَحْرِ تَمْتَدُّ إِلَيْهِ إِلى ما لا نِهايَة، إِنَّها مِياهُ البَحْرِ الأَبْيَضِ الـمُتَوَسِّطِ. وَبَحْرٍ أَخْضَرَ مِنَ اليابِسَةِ يَمْتَدُّ عَلى مَدى البَصَرِ، إِنَّهُ مَرْجُ عَكّا.
4
يحيط بِعَكّا سورٌ عَظيمٌ يُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ آثارِها التّاريخِيَّةِ، تَتَخَلَّلُهُ خَنادِقُ واسِعَةٌ، وَحُصونٌ وَأَبْراجٌ مَنيعَةٌ، وَقَدِ امْتَدَّ بِعَكّا العُمْرانُ حَتّى انْتَشَرَتِ الـمَباني وَالحَدائِقُ الجَميلَةُ خارِجَ سورِها القَديمِ.
5
لَقَدْ زُرْتُ هذِهِ الـمَدينَةَ الجَميلَةَ، وَتَجَوَّلْتُ عَبْرَ أَزِقَّتِها الـمَشْهورَةِ بِمَحَلاّتِ بَيْعِ السَّمَكِ، وَقَدْ أَسَرَني جَمالُها الأَصيلُ، وسَحَرَني جَوُّها الشَّرْقِيُّ الـمُحَبَّبُ، وَرُحْتُ أَسْتَنْشِقُ رَوائِحَ الجَوِّ، وأَتَأَمَّلُ مَعالِمَهُ العَرَبِيَّةَ.
6
تَوَجَّهْتُ صَوْبَ جامِعِ الجَزّارِ الرّابِضِ في البَلْدَةِ القَديمَةِ عَلى مَقْرُبَةٍ مِنْ شاطِئِ البَحْرِ، وَقَدْ تَجَوَّلْتُ بَيْنَ أَعْمِدَتِهِ، وَبَعْدَ أَنْ صَلَّيتُ خَرَجْتُ والخُشوعُ يَغْمُرُني، ثٌمَّ زُرْتُ القَلْعَةَ، وَصَعِدْتُ إِلى الأَسْوارِ الشّامِخَةِ الـمُحيطَةِ بالـمَدينَةِ عَنْ طَريقِ أدْراجٍ كَثيرَةٍ مٌنْتَشِرَةٍ في أَماكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَمِنْ هذا العُلُوِّ الشّاهِقِ تَمَتَّعْتُ بِمُشاهَدَةِ البَحْرِ الذي تَضْرِبُ أَمْواجُهُ جَوانِبَ هذا السّورِ العَظيمِ.
8
وَفي طَريقِ العَوْدَةِ التَقيْتُ أَحَدَ الشُّيوخِ العارِفينَ بِتاريخِ الـمَدينَةِ. فَقالَ: تَأَسَّسَتْ عَكّا في الأَلْفِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الـمِيلادِ عَلى يَدِ إِحْدى القبائِلِ العَرَبِيَّةِ الكِنْعانِيّةِ، واتَّخَذَتْ مِنْها مَرْكِزًا تِجارِيًّا، وَسَمَّتها (عَكّو) أَي الرَّمْلَ الحارّ.
10
رَكِبْتُ الحافِلَةَ مُوَدِّعًا هذهِ المدينةَ الخالِدَةَ، وَتَمَنَّيْتُ في قُرارَةِ نَفْسي أَنْ أَقْضِيَ في أَحْضانِ عَكّا مُدَّةً أَطْوَلَ، وَقَدْ عَزَمْتُ عَلى زِيارَتِها مَرَّةً ثانِيَةً حينَ تَسْنَحُ الفُرْصَةُ.
11
Published: Dec 31, 2015
Latest Revision: Dec 31, 2015
Ourboox Unique Identifier: OB-91039
Copyright © 2015