قال رامي: على شاطئ بحيرة طبريا وقفَ صيادُ سمكٍ، وقد ألقى صنّارةً
في البحيرةِ وإلى جانبهِ سلّةٌ يضعُ فيها السّمكَ الذي يصطادهُ، وليسَ معهُ
أحدٌ، فراقبته طويلاً.
3
إنّهُ يصطادُ سمكةً فيضعها في السّلّةِ، ثمّ يصطادُ أخرى فيرجعها إلى
البحيرةِ، وهكذا يفعلُ كُلَّ مرّةٍ.
أدهشني منظرهُ وهو يصيد السّمك بهذه الطريقةِ وتساءلتُ:
ما بالُ هذا الصيّاد؟
لِمَ يفعلُ ذلكَ؟
اقتربتُ منهُ رويدًا رويدًا حتّى أستطلع الخبرعن قربٍ.
5
ولمّا وصلتُ إليه، سألتهُ: ماذا تفعلُ يا عمّاهُ؟
ابتسَمَ الصيّادُ وقالَ لي: إنّني أصيدُ السّمكَ.
قلتُ لهُ: لكنني أراكَ تضعُ سمكةً في السّلةِ، ثمّ تصطادُ أخرى فتعيدها إلى
البُحيرةِ من غيرِ سببٍ.
قالَ: إنني يا بنيّ أضعُ السّمكةَ التي يسمحُ القانونُ بِصيدها في السّلةِ، أمّا
السّمكةُ التي لا يسمحُ قانونُ الصيدِ بصيدها فأعيدُها إلى البُحيرةِ.
7
قلتُ: وهل قانون الصّيدِ يقول لكَ أعد السمكةَ بعد صيدها إلى البحيرةِ؟
قال: لا، ولكن القانونُ حدّدَ طول السّمكةَ المناسبِ للصيدِ، وكل سمكةٍ يقلُّ
طولها عن الطّلِ المحدّدِ يجبُ ألّا يصطادها أحدٌ، لذلك أعيدُ بعض السمكات
إلى البحيرةِ.
قلتُ لهُ: ولكنّكَ هنا وحدكَ، وتستطيعُ وضعَ كلِّ السّمكاتِ الّتي تصطادها في
السّلةِ.
9
ضحكَ الصيّادُ وقالَ: لو فعلتُ ذلك، ولم يرَني أحدٌ، وقامَ غيري بالعملِ
ذاتهِ، وقامَ الآخرون بذلكَ، فماذا يحصلُ للسمكِ في هذه البحيرةِ؟
قلتُ: لا يبقى منه شيءٌ.
قال: هلْ هذا عملٌ صحيحٌ برأيكَ؟
قلتُ: بالتأكيدِ غيرُ صحيحٍ.
11
وقفتُ صامتًا، أراقبُ الصيّادَ، ثمّ قلتُ له: هلْ أقول لكَ شيئًا يا عمّاهُ؟
صيدُ السّمكِ يشبهُ إلى حدٍّ كبيرٍ قيادةَ السيّارةِ.
قالَ: كيفَ؟
قلتُ: لو قادَ كلُّ سائقٍ سيّارته كما يحلو له، مِنْ دونِ أنْ يتقيّدَ بقوانين
المرورِ، فسوفَ يكونُ الشّارعُ مثلَ البحيرةِ.
قال: أي لن يقدرَ النّاسُ على المشيِ في الشارعِ بأمانٍ.
13
قلتُ: سوفَ يخلو الشّارعُ من النّاسِ، كما تخلو البُحيرةُ من السّمكِ.
فقالَ الصيّادُ وهوَ يلملمُ أشياءهُ، وقد أشرفت الشّمس على المغيبِ، وبدأت
الظلمةُ تحلُّ بالمكانِ: تمامًا مثلما تقولُ.
قلتُ أعجبني كثيرًا حديثكَ يا عمَاهُ، ولكنْ أريدُ أنْ أسألكَ قبلَ أن أودّعكَ.
قالَ: تفضّلْ يا بُنيّ، على الرّحبِ والسّعةِ.
15
قلتُ: هلْ نظّمتِ الدّولةُ قانونًا لصيد السّمكِ فقطْ؟
قال: طبعًا لا، نظّمت قوانينَ لكلَ شيءٍ، للصّيدِ وغيرهِ، ومثال ذلك صيدُ
البحرِ والبرِّ، وسنتحدّثُ عن قانون صيدِ البرِّ، وسنتحدثُ عن قانون صيدِ
البرّ عندما نلتقي مرّةً ثانيةً، وداعًا.
17
Published: Jun 12, 2020
Latest Revision: Jun 12, 2020
Ourboox Unique Identifier: OB-870704
Copyright © 2020