قالت العرب
مجموعة من الأمثال العربية التي لها قصص مرتبطة بأشخاص
قالت العربُ: أَسْخَى من حاتم، وأَشجع من رَبيعةَ بن مُكَدَّم، وأَدْهَى من قَيْس بن زُهير، وأعزُّ من كُلَيب وائل، وأَوْفي من السَّمَوءَل، وأَذْكى من إياس بن معاوية، وأَسْود من قَيْس بن عاصم، وأَمْنع من الحارث بن ظالم، وأبْلَغُ من سَحْبان وائل، وأَحْلم من الأحْنف بن قيس، وأكذب من مُسَيلمة الحَنَفيِّ، وأعيا من باقل، وأَمْضى من سُليك المَقَانب، وأنْعم من خُرَيم النَّاعم، وأحمق من هَبنَّقة، وأفْتك من البراض.
اشتهرت هذه الأمثال جدا في ثقافتنا العربية لأنها أمثال وراءها حكايات مشهورة وأشخاص أعلام
ضرب فيهم المثل في خصال معينة حتى صار كل واحد فيهم عنوانا لخصلة يعرف بها وصار الناس إذا أرادوا أن يصفوا أحدا بصفة قالوا: أشجع من وأكرم من وأذكى من …
حتى إن الشاعر العباسي أبا تمّام لما أراد أن يمدح الخليفة المعتصم قال:
إقدامُ عَمْرٍو في سَماحةِ حَاتِمٍ في حِلمِ أحنَفَ في ذَكاءِ إِيَاسِ
قراءة ممتعة
أسخى من حاتم
الجواد، السخي، ضرب به المثل لسخائه
فقيل: أسخى من حاتم.
وقيل عنه: لم يكن حاتم ممسكا شيئا ما عدا سلاحه، فانه كان لا يجود به.
قال عن نفسه:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيـب
وهو القائل لغلامه يسار، وكان إذا اشتد البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد نارا في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضل الطريق ليلا فيصمد نحوه، فقال في ذلك:
أوقد فان الليل ليل قرّ والريح يا موقد ريح صر
عل يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفا فأنت حر
ومن خبره أنه مر يوما في سفره على قبيلة (عنزة) وفيهم أسير، فاستغاث بحاتم ولم يحضره فكاكه، فاشتراه من العنزيين وأطلقه وأقام مكانه في القيد حتى أدى فداه.
وأصابتهم سنة اقشعرت لها الأرض، واغبر أفق السماء. وفي ليلة من لياليها شديدة البرد قدمت عليه جارته فقالت له: أنا جارتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون عواء الذئاب، فما وجدت معولا إلا عليك يا أبا عدي، فقال: أعجليهم فقد أشبعك
الله وإيّاهم: فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي بجانبها أربعة؛ كأنها نعامة
حولها رئالها؛ فقام إلى فرسه فوجأ لبّته بمدية فخر، ثم كشطه عن جلده، ودفع المدية إلى المرأة فقال لها: شأنك؛ قالت زوجته نوار: فاجتمعنا على اللحم نشوي، ونأكل، ثم جعل يمشي في الحي يأتيهم بيتا بيتا
فيقول: هبوا أيها القوم، عليكم بالنار. فاجتمعوا والتفع في ثوبه ناحية ينظر إلينا، فلا والله أن ذاق منه مزعة، وانه لأحوج إليه منا؛ فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر.
وقصص جوده وسخائه أكثر من أن تحصى.
توفي سنة (46 قبل الهجرة).
عن كرم حاتم الطائي العجيب
أشجع من ربيعة
ربيعة بن مكدم الكناني أحد أشجع فرسان العرب وحامي الظعائن هو ربيعة بن مكدم بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة.
وهو أشجع رجل عرفه العرب ومن فرسان العرب المشهورين والمعدودين صاحب الفرس: اللطيم، ينتمي ربيعة إلى أشرف بيوتات بني مالك بن كنانة وأحد أشجع وأنجد أحياء العرب إذا كان جده جذل الطعان علقمة بن فراس من أشهر فرسان العرب وكان ذا شعر وفخر كما كان بنو فراس قلانسة العرب أصحاب النسئ وعد بعض المؤرخين الرجل من بني فراس الكنانية بعشرة من غيرهم.
كان ربيعة بن مكدم أحد أشهر فرسان كنانة ومضر في عصره وكان شجاعا مهابا رغم صغر سنه حتى إن العرب ضربت به المثل في الشجاعة والحمية فيقال:
“أشجع من ربيعة بن مكدم” و “أحمي من مجير الظعن”
ولم يكن يهاب أحدا إذ كان يلقى الرجل الواحد ويلقى مئات الرجال فما يثنيه ذلك عن شيء
يقول عنه أبو عبيدة معمر بن المثنى: ((فارس كنانة ربيعة بن مكدم الفراسي أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة كان يعقر على قبره ولا يعرف في الجاهلية الجهلاء عربي كان يعقر على قبره غيره، كان لا يمر به رجل من العرب إلا عقر)).
ومن أخباره أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لقي الفارس عمرو بن معد يكرب الزبيدي فسأله عن أفرس العرب فقال عمرو الزبيدي:
((يا أمير المؤمنين، قد كنت أكره الكذب في الجاهلية وأنا مشرك فكيف إذ هداني الله تعالى للإسلام؟ لقد قلت ذات يوم لخيل من بني ذهل: هل لكم في الغارة؟ قالوا: على من؟ قلت: على بني البكاء، قالوا: مغار بعيد على شدة كلب وقلة سلب، قلت: فعلى من؟ قالوا: على هذا الحي من كنانة فإنه بلغنا أن رجالهم خلوف. فخرجت في خيل حتى انتهيت إلى واد من أوديتهم فدفعت إلى قوم سراة؛ قال له عمر: وما أدراك أنهم سراة؟ قال: انتهيت إلى قباب عظيمة من أدم، وقدور متأقة وإبل وغنم، فقال عمر: هذا لعمري علامة السرور، قال عمرو: فانتهينا إلى أعظمها قبة فأكشفها عن جارية مثل المهاة، فلما رأتني ضربت يدها على صدرها وبكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: ما أبكي على نفسي ولا على المال، فقلت: على أي شيء تبكين؟ قالت: على جوار أتراب لي قد ألفتهن وهن في هذا الوادي، قال: فهبطت الوادي على فرسي فإذا أنا برجل قاعد يخصف نعله، وإلى جانبه سيف موضوع، فلما رأيته علمت أن الجارية قد خدعتني وما كرتني، فلما رآني الرجل قام غير مكترث، ثم علا رابية، فلما نظر إلى قباب قومه مطروحة حمل علي وهو يقول:
قد علمت إذ منحتني فاها ولحفتني بكرة رداها
أني سأحمي اليوم من حماها يا ليت شعري ما الذي دهاها
فقلت مجيبا له:
عمرو على طول السّرى دهاها بالخيل يزجيها على وجاها
حتى إذا جل بها احتواها
ثم حملت عليه وأنا أقول:
أنا ابن عبد الله محمود الشيم … مؤتمن الغيب وفي بالذمم
من خير من يمشي بساق وقدم
قال: فحمل عليّ وهو يقول:
أنا ابن ذي الاقيال أقيال ألبهم من يلقني يُود كما أُودت إرم
أتركه لحما على ظهر وضم
قال: واختلفنا ضربتين، فأضربه أحذر من العقعق، ويضربني أثقف من الهر، فوقع سيفه في قربوس سرجي فقطعه، وعض كاثبة الفرس، فوثبت على رجلي قائما وقلت: يا هذا ما كان يلقاني من العرب إلا ثلاثة: الحارث بن ظالم لسنه والتجربة، وعامر بن الطفيل للشرف والنجدة، وربيعة بن مكدم للحياء والبأس، فمن أنت ثكلتك أمك؟ قال: بل من أنت ثكلتك أمك؟ قلت: أنا عمرو بن معدي كرب الزبيدي، قال: وأنا ربيعة بن مكدم، قلت: اختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن نتضارب بسيفينا حتى يموت الأعجز؛ وإما أن نصطرع فأينا صرع صاحبه قتله، وإما المسالمة، قال: ذاك إليك فاختر، قلت: إن بقومك إليك حاجة وبقومي إلي حاجة، والمسالمة أولى وخير للجميع. ثم أخذت بيده فأتيت به أصحابي وقلت لهم: خلوا ما بأيديكم قالوا: يا أبا ثور غنيمة باردة بأيدينا تأمرنا أن نتركها؟ فقلت لهم: لو رأيتم ما رأيت لخليتم وزدتم، خلوا وسلوني عن فرسي ما فعل؛ قال: فتركنا ما بأيدينا وانصرفنا راجعين)).
ومن قصص ربيعة بن مكدم أيضا أن جمعا من قبيلة غامد من الأزد غزوا بني فراس من كنانة في مئتي رجل من غامد وقالوا حين شارفوا الحي: كم ترون يلقانا ونحن مئتا رجل؟
فلقيهم ربيعة بن مكدم لوحده فهزمهم ورد جمعهم
وقد قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لجمع غامد وحده:
ألا هل أتاها على نأيها بما فضحت قومها غامد
تمنيتم مائتي فارس فردكم فارس واحـد
فليت لنا بارتباط الخيول ضأنا لها حالب قاعد
أما أشهر ما عرف عن ربيعة بن مكدم فهو حمايته لظعنه حيا و ميتا – و الظعن هو الهودج إذا حمل النساء – و قد كان ربيعة يلقب بـ
“حامي الظعائن” و “مجير الظعن”
ومبدأ ذلك في وادي الأخرم أحد وديان كنانة وقصته في ذلك
أن كنانة كانت لها حروب وغارات مع بني قيس عيلان بن مضر وفيها قتلوا منهم جمعا ثم ودوهم ولكن القيسية أعدوا للثأر فخرج دريد بن الصمة على رأس جمع من جشم من هوازن القيسية يريدون الغارة على بني فراس الكنانية فلقوا ظعنا لبني فراس يسوقها ربيعة بن مكدم لوحده، فلما نظر إليه دريد بن الصمة قال لفارس من أصحابه: صح به: خل عن الظعينة و انج بنفسك فلما انتهى الفارس إلى ربيعة صاح به و ألح عليه أن يترك الظعينة فألقى ربيعة زمام الناقة و قال :
سيرى على رسلك سير الآمن سير رداح ذات جأش ساكن
إن انثنائي دون قرني شائني أبلى بلائي وأخبري وعايني
ثم حمل عليه فصرعه وأخذ فرسه فأعطاه للظعينة. فبعث دريد فارسا آخر لينظر ما صنع صاحبه. فلما انتهى إليه ورأى ما صنع صاح به، فتصامم عنه كأن لم يسمع، فظن أنه لم يسمع، فغشيه، فألقى زمام الراحلة إلى الظعينة، ثم خرج وهو يقول:
خل سبيل الحرة المنيعة إنك لاق دونها ربيعه
في كفه خطية مطيعه أولا فخدها طعنة سريعه
والطعن مني في الوغى شريعه
ثم حمل عليه فصرعه، فلما أبطأ على دريد بعث فارسا لينظر ما صنعا، فلما انتهى إليهما، وجدهما صريعين، ونظر إليه يقود ظعينته، ويجر رمحه، فقال له الفارس: خل عن الظعينة، فقال للظعينة: أقصدي قصد البيوت، ثم أقبل عليه فقال:
ماذا تريد من شتيم عابس ألم تر الفارس بعد الفارس
أرداهما عامل رمح يابس
ثم حمل عليه فصرعه وانكسر رمحه، وارتاب دريد فظن أنهم قد أخذوا الظعينة، وقتلوا الرجل، فلحق دريد ربيعة، وقد دنا من الحي، ووجد أصحابه قد قتلوا، فقال: أيها الفارس، إن مثلك لا يُقتل، ولا أرى معك رمحك، والخيل ثائرة بأصحابها، فدونك هذا الرمح فإني منصرف إلى أصحابي، ومثبطهم عنك، فانصرف إلى أصحابه، فقال: إن فارس الظعينة قد حماها
وقتل أصحابكم، وانتزع رمحي، ولا مطمع لكم فيه، فانصرف القوم، فقال دريد في ذلك:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله حامي الظعينة فارسا لم يقتل
أردى فوارس لم يكونوا نهزة ثم استمر كأنه لم يفعل
متهلّلا تبدو أسرة وجهه مثل الحسام جلته كف الصيقل
يزجي ظعينته ويسحب رمحه متوجها يمناه نحو المنزل
وترى الفوارس من مهابة رمحه مثل البغاث خشين وقع الأجدل
يا ليت شعري من أبوه وأمه يا صاح من يك مثله لا يجهل
ورد عليه ربيعة بن مكدم قائلا:
إن كان ينفعك اليقين فسائلي عني الظعينة يوم وادي الأخرم
إذ هي لأول من أتاها نهبة لولا طعان ربيعة بن مكدم
إذ قال لي أدنى الفوارس منهم خل الظعينة طائعا لا تندم
فصرفت راحلة الظعينة نحوه عمدا ليعلم بعض ما لم يعلم
وهتكت بالرمح الطويل إهابه فهوى صريعا لليدين وللفم
ومنحت آخر بعده جياشة نجلاء فاغرة كشدق الأضجم
ولقد شفعتهما بآخر ثالث وأبى الفرار عن العداة تكرمي
وبعد أن رجع دريد بالجمع الهوازني عن بني فراس، وقيل بعد ذلك بزمن اقترب ربيعة من حما قومه فلقيه من بني فراس عبد الله بن جذل الطعان، وأبو الفارعة الحارث بن مكدم بالكديد 42 ميلا عن مكة ثم لقيهم نبيشة بن حبيب السلمي في ركب لبني سليم القيسية يبغون أخذ الظعن من كنانة، فلما رآهم الحارث قال: هؤلاء بنو سُليم يطلبون دماءهم، فرد عليه ربيعة: أنا أذهب حتى أعلم علم القوم فآتيكم بخبرهم وتوجه نحوهم، فلما ذهب صاحت بعض ظعن كنانة: أن هرب ربيعة، فقالت أخته عزة بنت المكدم: أين ترة – نفرة ـ الفتى؟ فعطف – وقد سمع قول النساء -فقال:
لقـد فـرقـن أنني غـيـر فـرق … لأطـعنـن طـعـنــةً وأعــتـنـق
أصبحهم صاح بمحمر الحدق … عضباً حساماً وسناناُ يأتـلق
ثم انطلق يعدو به فرسه، فحمل عليه القوم، وكان جريحا من آثار قتاله سابقا، فلقيه بعض بني سليم، وطاردوه فقتل أحدهم وهو عائد إلى الظعن ثم طعنه حبيب بن نشبه السلمي في عضده فانطلق حتى انتهى إلى أمه فقال اجعلي على يدي عصابة، وهو يرتجز:
شدي على عصب أم سيار فـقد رزيت فارساً كالدينار
يطعن بالرمح أمام الأدبار
فقالت أمه: إنا بنو ثعلبة بن مالك
مرور أخبار لنا كذلك
من بين مقتول وبين هالك
ولا يكون الرزء إلا ذلك
وشدت عليه عصابة، فاستقاها ماءاً فقالت: إن شربت الماء مت، فكرّ راجعاً يشتد على القوم، وظل ينزف دمه حتى أثخن وشدت عليه عصابة، فاستقاها ماءاً فقالت له: إن شربت الماء مت، فكر علي بني سليم راجعا يشتد عليهم، وظل دمه ينزف
مقطع فيديو عن شجاعة ربيعة بن مُكدّم الفراسي الكناني
حتى أثخن ورموه بالنبل ولم يجرؤ أحد منهم أن يقترب منه رغم أنه كان غلاما بذؤيبة آنذاك فقال للظعينة:
((أوضعن ركابكن حتى تنتهين إلى البيوت – أي احثثن ركابكن على السير السريع – فاني ميت من هذا السهم وسوف أبقى لكم دونهم على العقبة وأعتمد على رمحي فلن يقدموا عليكن ما اقمت مكاني))، ففعلن ذلك …
وهكذا حمى ربيعة بن مكدم الأظعان حياً وميتاً، ولم يفعل ذلك غيره وقال عمرو بن العلاء في ذلك: ((ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره وإنه -يقصد ربيعة -يوم إذن غلام له ذؤابة، وقد اعتمد على رمحه – كما قال – وهو واقف لهن على متن فرسه، حتى بلغن مأمنهن، وما تقدم القوم عليه))،
يقول أبو عمرو:
((ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره وإنه يومئذ غلام له ذؤابة، فما زال واقفا على متن فرسه معتمدا على رمحه إلى أن مات، وما تقدم القوم عليه، فقال نبيشة: إنه لمائل العنق على رمحه وما أظنه إلا قد مات، فرمى فرسه، فقمصت وزالت، فسقط عنها ميتا، وفاتهم الظعن، ولحقوا أبا الفرعة الحارث بن مكدم فقتلوه، وأمالوا على ربيعة أحجارا)).
ومر لاحقا عمرو بن شقيق أحد شعراء قريش على قبر ربيعة، فنفرت ناقته من تلك الأحجار، فقال يرثيه، ويعتذر ألا يكون عقر على قبره، ويعير من أسلمه من قومه، ويقال إنّ هذه الأبيات لحسان بن ثابت:
نفرت قلوصي من حجارة حرة … بنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منه فإنه سباء خمر مسعر لحروب
لولا السفار وبعد خرق مهمه لتركتها تحبو على العرقوب
فر الفوارس عن ربيعة بعدما نجاهم من غمة المكروب
نعم الفتى أدى نبيشة بزه يوم الكديد نبيشة بن حبيب
ولم تلبث بنو فراس بعد ذلك أن أغارت على بني جشم فأَسر المخارق الكناني دريد بن الصمة سيد بني جشم من هوازن فبينما هو عندهم محبوس إذ جاءت نسوة يتهادين إليه فصاحت إحداهن فقالت: هلكتم، وأهلكتم! هلكتم، وأهلكتم!
ماذا جر علينا قومنا؟ هذا والله الذي أعطى ربيعة رمحه يوم الظعينة، ثم ألقت عليه ثوبها، وقالت: يا آل فراس، أنا جارة له منكم، هذا صاحبنا يوم الوادي، فسألوه: من هو؟
فقال: أنا دريد ابن الصمة، فمن صاحبي؟
قالوا: ربيعة بن مكدم. قال: فما فعل؟ قالوا: قتلته بنو سليم.
قال: فما فعلت الظعينة؟
قالت المرأة: أنا هي، وأنا امرأته. فحبسه القوم وأتمروا أنفسهم، فقال بعضهم: لا ينبغي لدريد أن تكفر نعمته على صاحبنا، وقال الآخرون: لا والله لا يخرج من أيدينا إلا برضا المخارق الذي أسره. فانبعثت المرأة في الليل. وهي ربطة بنت الفارس جذل الطعان وقالت:
سنجزى دريدا عن ربيعة نعمة وكل امرئ يجزى بما كان قدما
فإن كان خيرا كان خيرا جزاؤه وإن كان شرا كان شرا مذمما
سنجزيه نعمى لم تكن بصغيرة بإهدائه الرمح الطويل المقوما
فلا تكفروه حق نعماه فيكم ولا تركبوا تلك التي تملأ الفما
فإن كان حيا لم يضق بثوابه ذراعا غنيا كان أو كان معدما
ففكوا دريدا من إسار مخارق ولا تجعلوا البؤسى إلى الشر سلما
فلما أصبحوا أطلقوه، فكسته وجهزته، ولحق بقومه، فلم يزل كافا عن حرب بني فراس حتى هلك.
أدهى من قيس بن زهير
هو قيس بن زهير بن ربيعة بن عبس.
صاحب الحصان داحس، والفرس الغبراء، الذين بسببهما وقعت الحرب مع بني ذبيان، فسميت بحرب (داحس والغبراء). سيد بني عبس، وكان يلقب بقيس الرأي، لجودة رأيه، وقد ضرب به المثل في الدهاء فقيل: أدهى من قيس بن زهير.
ذكروا من دهائه أنه مرَّ ببلاد غطفان، فرأى ثروة، وعبيدا، فكره ذلك، فقال له الربيع بن زياد: إنه يسوؤك ما يسر الناس! فقال: يا ابن أخي، إنك لا تدري؛ إن مع الثروة، والنعمة التحاسد، والتباغض، والتخاذل، وان مع القلة التعاضد، والتآزر، والتناصر.
قال بعد قتله حذيفة بن بدر زعيم بني ذبيان:
شفيت النفس من حمل بن بدر وسيفي من حذيفة قد شفاني
شفيت بقتلهم لغليل صدري ولكني قطعت بهم بناني
فلا كانت الغبراء ولا كان داحس ولا كان ذاك اليوم يوم دهائي
أعزُّ من كليب وائل
هو وائل بن ربيعة بن الحارث بن تغلب. وكليب لقبه.
ونشأ في حجر أبيه، ودرب على الحرب، ثم تولى رئاسة الجيش لبكر، وتغلب زمنا.
اجتمعت معد كلها تحت قيادته لحرب اليمن في يوم من أعظم أيام العرب في الجاهلية عند جبل خزاز (غرب مدينة دخنة في القصيم)، وكانت معد لا تستنصف من اليمن، ولم تزل اليمن قاهرة لها حتى كان هذا اليوم فانتصرت معد، ولم تزل لها المنعة حتى جاء الإسلام.
قال هشام بن محمد بن السائب:
إن كليب حين قاد جموع معد يوم خزازي. وبعد انتصاره على مذحج في ذلك اليوم، اجتمعت على رئاسته معد كلها، فجعلوا له قسم الملك، وتاجه، ونجيبته، وطاعته، وغبر بذلك حينا من دهره، ثم دخله زهو شديد، وبغى على قومه لما هو فيه من عزة، وانقياد معد له. حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه، وإذا جلس لا يمر أحد بين يديه إجلالا له، ولا يحتبي أحد في مجلسه غيره، ولا يغير إلا بإذنه، ولا تورد إبل أحد مع إبله، ولا توقد نار مع ناره، ولم يكن بكري ولا تغلبي يجير رجلا، ولا بعيرا، أو يحمي حمى إلا بأمره، وكان يجير على الدهر فلا تخفر ذمته، وكان يقول: وحش أرض كذا في جواري، فلا يهاج! وكان هو الذي ينزل القوم منازلهم، ويرحلهم، ولا ينزلون ولا يرحلون إلا بأمره، وقد بلغ من عزته، وبغيه أنه اتخذ جرو كلب، فكان إذا نزل منزلا به كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلا بإذنه، وكان يفعل هذا بحياض الماء فلا يردها أحد إلا بإذنه أو من آذن بحرب، فضرب به المثل في العزة فقيل: أعز من كليب وائل. وكان يحمي الصيد فيقول: صيد ناحية كذا وكذا في جواري فلا يصيد أحد منه شيئا.
أوفى من السموأل
هو: السموأل بن رفاعة بن قحطان.
شاعر جاهلي حكيم، من سكان خيبر في شمال المدينة، كان يتنقل بينها وبين حصن له في تيماء سماه (الأبلق)، أشهر شعره لاميته، وهي من أجود الشعر.
وكان معتنقا للديانة اليهودية، وبه ضرب المثل في الوفاء،
فقيل: أوفى من السموأل.
وكان من قصة وفاءه بالعهد أن امرأ القيس بن حجر الكندي أستودع عنده أدرعه، وماله قبل ذهابه إلى قيصر الروم، ولما مات امرؤ القيس عام 58 قبل الهجرة، جاء الحارث بن أبي شمر المعروف بالأعرج إلى السموأل فطلب منه دروع امرئ القيس، وأسلحته، فأبى السموأل، وتحصن بحصنه الأبلق، فأخذ الحارث ابناً له وناداه: إما أن تسلم الأدرع لي، وإما قتلت ولدك.
فأبى أن يسلم الأدرع، فضرب وسط الغلام بالسيف فقطعه وأبوه يراه وانصرف، ثم جاء السموأل إلى ورثة امرئ القيس وسلمهم الأدرع. فضرب به المثل في الوفاء؛ فقيل: أوفى من السموأل.
ومن أشعاره:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل
وان هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل
إذا المرء أعيته المروءة يافعا فمطلبها كهلا عليه ثقيل
وقوله:
تعيرنا أنا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل
وما ضرنا أنا قليل وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل
أذكى من إياس بن معاوية
إياس بن معاوية:
إياس بن معاوية بن قرة بن أوس بن عمرو القاضي، أبو وائلة، ضرب فيه المثل لذكائه فقيل: أذكى من إياس بن معاوية. ولا ه عمر بن هبيرة الفزاري القضاء، في عهد يزيد بن عبد الملك، وأعطاه مئة درهم، وكانت أول مال تمولها.
وكان من خبر ذكائه أن رجلا استودع رجلا مالا ثم طلبه فجحده فخاصمه إلى القاضي إياس بن معاوية. فقال الطالب: إني دفعت المال إليه. قال: ومن حضر. قال: دفعته في مكان كذا وكذا، ولم يحضرنا أحد. قال: فأي شيء في ذلك الموضع. قال: شجرة. قال: فانطلق إلى ذلك الموضع، وانظر الشجرة فلعل الله تعالى يوضح لك هناك ما يتبين به حقك؛ لعلك دفنت مالك عند الشجرة ونسيت؛ فتتذكر إذا رأيت الشجرة، فمضى الرجل.
قال إياس للمطلوب: اقعد حتى يرجع خصمك، فقعد، وإياس يقضي وينظر إليه ساعة، ثم قال له: يا هذا أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر. قال: لا. قال: يا عدو الله؛ إنك لخائن! قال: أقلني أقالك الله. فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل. فقال له إياس: قد أقر لك بحقك، فخذه وانصرف.
أسودُ قيس بن عاصم
هو قيس بن عاصم بن سنان بن تميم.
ضرب به المثل في سيادته لقومه فقيل: أسود من قيس ين عاصم.
وقيل له: بم سوّدك قومك؟ قال: بكف الأذى، وبذل الندى، ونصر المولى.
وفد قيس بن عاصم على رسول الله: فبسط له رسول الله: رداءه، وقال: (هذا سيد الوبر)، وذلك لسؤدده في قومه بالذب عنهم، وبذله رفده لهم.
ولّاه رسول الله: صدقات قومه، ومن أقوال قيس بن عاصم: الشيب خطام المنية.
وقال لبنيه لما حضرته الوفاة: احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني؛ إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيحقر الناس كباركم.
قيل في رثائه:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمة إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
أمنع من الحارث بن ظالم
هو: الحارث بن ظالم بن جذيمة بن ذبيان؛ الفاتك المشهور.
ضرب به المثل فقيل: أمنع من الحارث بن ظالم، حيث امتنع على الملك الأسود بن المنذر، ولم يستطع الملك الأسود بن المنذر أن يظفر به بعد قتله خالد بن جعفر الكلابي العامري، وهو في جواره.
ومثله قيل: أمنع من عقاب الجو. لعلوه وارتفاعه وصعوبة الحصول عليه، وصيده، والظفر به.
أبلغ من سحبان وائل
ضرب فيه المثل لبلاغته وفصاحته فقيل: أبلغ من سحبان وائل.
ومن أقواله: العقل بالتجارب؛ لأن عقل الغريزة سلم إلى عقل التجربة.
وقال حميد الأرقط:
تجهز كفاه ويحدر حلقه إلى الزور ما ضمت علي الأنامل.
أتانا وما سواه سحبان وائل بيانا وعلما بالذي هو قائل.
فما زال عنه اللقم حتى كأنه من العي لما أن تكلم باقل.
وذكر علي بن عبيدة القلم فقال:
أصم يسمع النجوى؛ أعيا من باقل، وأبلغ من سحبان وائل؛ يجهل الشاهد، ويخبر الغائب؛ ويجعل الكتب بين الإخوان ألسنا ناطقة، وأعينا لاحظة، وربما ضمنها من ودائع القلوب ما لا تبوح به الألسن عند المشاهدة.
أنعمُ من خُرَيم النّاعم
هو خُرَيم بن خليفة بن فلاَن بن سنان
ابن أبي حارثة المرِّىُّ، وكان متنعما، فسمى خريما الناعم، وسأله الحجاج عن تنُّعمه، قَالَ: لم ألبس خَلَقا في شتاء، ولاَ جَدِيدا في صيف، فَقَالَ له: فما النعمة؟ قَالَ: الأمن؛ لأني رأيت الخائف لاَ ينتفع بعيش، قَالَ: زدني، قَالَ: الشباب؛ لأني رأيت الشيخ لاَ ينتفع بشيء، قَالَ: زِدْني، قَالَ: الصحة، فإني رأيت السَّقيم لاَ ينتفع بعيش، فَقَالَ: زدني، قَالَ: الغني؛ فإني رأيت الفقير لاَ ينتفع بعيش، فَقَالَ: زدني، قَالَ: لا أجد مزيداً.
أكذب من مسيلمة الحنفي
من هو مسيلمة الكذاب اختلفت الروايات باسمه فقيلَ هو مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب، وقِيل هو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي، وُلِد وتربّى في اليمامة، في قرية معروفة اليوم باسم الجبيلة، وهي قرية من قُرى وادي حنيفة، ويُكنّى أبو ثمامة وقيل: أبو هارون، وتقول الروايات في وصفه: كان قصيرًا أخنسَ الأنف أفطس، شديد الصفرة”، وهو أحد الكذابين الذين ادّعوا النبوّة بعد وفاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقد قُتِلَ في معركة اليمامة على يد جيش المسلمين الذي بعثه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عام 12 للهجرة، وهذا المقال سيتناول قصة مسيلمة الكذاب وادعاءَهُ وأسجاعه وموته. قصة مسيلمة الكذاب بعد ما وردَ من حديث عن حياته، لا بدَّ من المرور على قصَّتِهِ بالتفصيل، وهو أحد رجال بني حنيفة، وقد سُمِّيَ بالرحمان، فقيل عنه: رحمان اليمامة، وكانَ يعمل أعمال الكذب والدجل، يتكهّن تكهُّنَ الجاهليين، حتّى مضى به الأمر إلى أن يدَّعيَ النبوّة في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وفيما يلي تفصيل عن حياته وادعائه النبوّة وأسجاعه التي قالها. ادعاء مسيلمة الكذاب النبوة ادّعى مسيلمة النبوّة في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وجمَّع حولَهُ بعض الكذابين والدجالين اذين شهدوا له أمام الناس أنَّهم سمعوا رسول الله -عليه الصّلاة والسَّلام- يقول: إنَّه أشرك مسيلمة معه في أمر الرسالة والدعوة، حتَّى صدَّقَهُ الناس وتبِعَهُ عدد كبير من أهل اليمامة، وكان أكثر أتباعه من أهلِهِ بني حنيفة، وقدَّ ادّعى مسيلمة الكذاب أيضًا أنّه صاحب معجزات وكرامات، ولكنَّ أمر الله تعالى جاء ليكشف أكاذيبهُ ودجلَهُ، فقد قيل فيما وردَ عن ابن كثير في كتابه “البداية”: أنَّ مسيلة الكذاب بصق في بئر ذات مرّة فغاض ماء تلك البئر، وقيلَ أنَّه مسحَ على أعين رجل ليشفيه من مرض في عينيه فَعمي الرجل، فكان أمر الله يكشفُ كذبَهُ ودجلَهُ قبل أن يأتي يهزمه المسلمون شر هزيمة.
أسجاع مسيلمة الكذاب لقد قصد مسيلمة الكُهّان قبل ادعائه النبوة، فتعلّم الكهانة، وأصبح يسجع في قولِهِ سجعَ الكهّان، ومن أشهر أسجاعه التي قالها، والتي كانَ يدَّعِي أنَّها قرآن أنزلَهُ الله عليه: وَاللَّيْلُ الدَّامِسْ، وَالذِّئْبُ الْهَامِسْ، مَا قَطَعَتْ أَسَدٌ مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسْ. لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحَشَا. إنَّ بني تميم قومٌ طهرٌ لقاح، لا مكروه عليهم ولا إتاوة، نجاورُهم ما حيينا بإحسان، نمنعهم منْ كلِّ إنسان، فإذا متْنا فأمرُهم إلى الرحمن. يَا ضِفْدَعُ بَنَتَ الضِّفْدَعِينْ، نَقِّي كَمْ تَنِقِّينْ، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينْ، وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينْ، رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ وَذَنَبُكِ فِي الطِّينْ. وَالْفِيلْ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلْ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلْ. وَالْمُبَذِّرَاتِ زَرْعًا، وَالْحَاصِدَاتِ حَصْدًا، وَالذَّارِيَاتِ قَمْحًا، وَالطَّاحِنَاتِ طِحْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خَبْزًا، وَالثَّارِدَاتِ ثَرْدًا، وَاللَّاقِمَاتِ لَقْمًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، لَقَدْ فُضِّلْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ، وَمَا سَبَقَكُمْ أَهْلُ الْمَدَرِ، رَفِيقَكُمْ فَامْنَعُوهُ، وَالْمُعْتَرَّ فآووه، والناعي فواسوه.
موت مسيلمة الكذاب مات مسيلمة الكذاب بعد حروب كثيرة خاضتها جيوش المسلمين مع بني حنيفة الذين ارتدُّوا عن الإسلام واتَّبعوا كذب مسيلمة، فبعث لهم أبو بكر الصديق جيشًا واحدًا مؤلّفًا من اتّحاد ثلاثة جيوش، وهي جيوش شرحبيل بن حسنة، وعكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد، وكانوا جميعًا تحت إمرة خالد، فقاتلوا جيوش مسيلمة في معركة اليمامة وانتصروا عليه، ومات مسيلمة في تلك المعركة على يد وحشي بن حرب عام 12 للهجرة، وتقول الروايات: إنَّه عاش ما يزيد عن مئة وخمسين عامًا
أحلمُ من الأحنف
كان الأحنفُ بن قيس التميمي (أبو بحر) (العالم والأمير والصحابيُّ الجليل) أحلَمُ العرب؛ حتى ضُرب بحلمه المثل، فقيل “أحلَمُ مِن الأحنف”.
قيل عاشت بنو تميم بحلم الأحنف أربعين سنة، وفيه قال الشاعر:
إذا الأبصار أبصرت ابن قيس — ظللن مهابة منه خشوعا.
قال ابن المبارك قيل للأحنف بم سودوك قال لو عاب الناس الماء لم أشربه.
وقال: ما نازعني أحد إلا أخذت أمري بأمور: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان مثلي تفضلت عليه، وقال لستُ بحليم ولكني أتحالم.
قال الحسن ذكروا عن معاوية شيئا فتكلموا والأحنف ساكت فقال يا أبا بحر مالك لا تتكلم قال أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت.
قيل، كان زيادُ (ابن أبيه) مُعَظِّماً للأحنف، فَلمّا ولي بعده ابنه عبيد الله، تَغيَّر أمرُ الأحنف وقَدَّمَ عليه مَن هو دونَه ثُم وَفِدَ على معاويةَ في الأشراف. فقال معاوية لعبيد الله: أدخلهم على قَدرِ مراتبهم، فأخَّرَ الأحنفَ. فلما رآهُ معاويةُ أكرمَهُ لمكان سيادته وقال إلي يا أبا بحر وأجلَسَهُ معه وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله بن زياد وسكت الأحنف. فقال له لم لا تتكلم؟، قال إن تكلمت خالفتهم. قال: اشهدوا أني قد عزلت عبيد الله؛ فلما خرجوا كان فيهم مَن يَرومُ الإمارة، ثم أتوا معاوية بعد ثلاث وذَكَرَ كُلُّ واحدٍ شخصا وتنازعوا. فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ قال إن وَليتَ أحدا مِن أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله، فقال قد أعدته، قال فخلا معاوية بعبيد الله، وقال كيف ضيعت مثل هذا الرجل الذي عزلك وأعادك وهو ساكت!؟ فلما رجع عبيد الله جعل الأحنف صاحب سره.
وروي عن ذي الرمة قال شهدت الأحنف بن قيس وقد جاء إلى قوم في دم، فتكلم فيه وقال احتكموا، قالوا نحتكم ديتين، قال: ذاك لكم فلما سكتوا، قال أنا أعطيكم ما سألتم. فاسمعوا إن الله قضى بدِيَّةٍ واحدة وإن النبي (صلى الله عليه وسلم) قضى بدية واحدة وإن العرب تعاطى بينها دية واحدة وأنتم اليوم تطالبون، وأخشى أن تكونوا غدا مطلوبين فلا ترضى الناس منكم إلا بمثل ما سننتم، قالوا ردها إلى دية.
قال الشعبي وفد أبو موسى الأشعري وفدا من البصرة إلى عمر منهم الأحنف بن قيس فتكلم كل رجل في خاصة نفسه. وكان الأحنفُ في آخر القوم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه وإن أهل الشام نزلوا منازل قيصر وأصحابه وإن أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى ومصانعه في الأنهار والجنان، وفي مثل عين البعير وكالحوار في السلى تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلغ وإن أهل البصرة نزلوا في أرض سبخة زعقة نشاشة لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها وطرفها في بحر أُجاج (مالح ) (وهي ما يعرف بالأهواز) وطرف في فلاة لا يأتينا شيء إلا في مثل مريء النعامة فارفع خسيستنا وانعش وكيستنا، وزد في عيالنا عيالا وفي رجالنا رجالا، وصغر درهمنا وكبر قفيزنا ومر لنا بنهر نستعذب منه. فقال عمر عجزتم أن تكونوا مثل هذا؟ هذا والله السيد قال فما زلت أسمعها بعد.
وقيل للأحنف: ممن تعلمت الحِلم؟
قال: مِن قيس بن عاصم (رضي الله عنه) رأيتُه يوماً مُختبئا بردائه يُحادِثُ قَومَه بِمجلسِ دارِه؛ فأُتي برجل مَكتوفٍ وآخرَ مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك، قتل ابنك! فيقول الأحنف
فوالله ما حَلَّ حَبَوتَهُ، وما قطع كلامَهُ. وحين انتهى، التَفَتَ إلى ابن أخيه فقال يا ابن أخي بِئسَ ما فعلت، أثِمتَ بربك، وقطعت رحمك، وقَللت عددك، ورميتَ نفسَك بِسهمك
ثُم قال لابن له آخر، قم يا بني، فوارِ أخاك، -وحُلَّ كتاف ابن عمك، وسُق إلى أُمِّه مائةَ ناقةٍ دِيَّةَ ابنِها، فإنها غريبة.
ويُروى أنّ الأحنف دخل ذات مرة على معاوية بن ابي سفيان غضبان، وخاطبه قائلا يا معاوية، فألانَ له معاويةُ الحديث واسترضاه، وبعد أن انصرف قال بعض جلساؤه: يا أمير المؤمنين، مَن هذا الذي دخل عليك، فأغلظ القول، فألنتَ له الحديث واسترضيته؟ فقال معاوية رضي الله عنه: هذا الذي إذا غَضِب، غَضبَ له مائةُ ألف سيفٍ مِن بني تميم، لا يسألون فيمَ غَضِب.
أعيا من باقل
“باقل” هو رجل يُضرب به المثل في العيّ، قيل إن أمه كانت تُعَلِّمُه طوال النهار اسمه، وحين يحلّ المساء ينساه مجدداً، حتى لجأت في النهاية إلى وَضْعِ قلادةٍ في رقبته مكتوب عليها اسمه، وفي يوم ما، نام وهو يضعها، وحين استيقظ وجد أخاه يلبسها فقال له: “أنت أنا فمن أكون أنا”؟
ويُحكى أيضاً أنه اشترى مرة ظبياً حيّاً بأحد عشر درهماً وسُئل: بكم اشتريته؟ فأشار بأصابعه العشرة ومدّ لسانه ليشير إلى العدد أحد عشر، فهرب الظبي منه لما أفلته وضاع… ومن هنا عُرف “باقل” بأنه أعيا العرب، وضُرب به المثل بالعي والبلادة والغباء.
قصة مثل أعيا من باقل
أفتك من البراض
البراض بن قيس الضَّمْري الكناني صعلوك من أهل الحجاز وفاتك جاهلي، يضرب بفتكه المثل. تبرأ منه قومه، ففارقهم مع الصعاليك. وبسببه هاجت حرب الفجار بين خندف، وقيس. وإليه يشير (أبو تمام) بقوله: (كل يوم له بصرف الليالي، فتكة، مثل فتكة البّراض) وكان قد فتك بعروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب فثارت حرب الفجار ما بين عامي 586 و592 .
للمزيد من الأمثال وحكاياتها انقر فوق هذا الرابط
Published: May 1, 2020
Latest Revision: May 1, 2020
Ourboox Unique Identifier: OB-801902
Copyright © 2020