قصة قصيرة
جلست الأم وحيدةً في الصالة؛ لتستسلم لخيالاتها اليوميَّة، مع بُعدها القريب عن أبنائها وبناتها.
وقبل أنْ تغيب عمَّن حولَها فيما يُشبِه النوم لبضْع ساعات، سمعَت ضجيجًا يعلُو من جميع الغُرَف، وفاجَأَها خروجُ أحد أبنائها إلى المستودع كأنَّه الإعصار، تَبِعَتْهُ أخته الكبرى، من غرفةٍ أخرى!
عادُوا سِراعًا والحزن يعلُو وجوهَهم:
♦ ألاَ يوجد حل جذري لهذه المشكلة؟
♦ لا أعلم.. حتى مندوب الصيانة لا يعلم.
عادوا إلى غرفهم، إلى الفراغ.
أحسُّوا بالملل، بالاختناق.
خرجت أختُهم الصغيرة – المَرِحة – وجلسَتْ إلى جوار أمِّها، وبدَأتا تتحدَّثان، وكانت الأم في غاية السعادة، فقد جاء هذا اللقاء على غير العادة!
علَتْ أصواتهما بالحديث والضَّحِك.
خرَج الولد الأصغر ليشارِكهم هذه الفرحة.
الكبرى خرجَت أيضًا من الفراغ.
الولد الأوسط.. خرجَ من الفراغ.
الابن الأكبر.. خرج من الفراغ.
كلُّهم تحلَّقوا حول أمِّهم وتَعالَتْ أصواتُهم بالضَّحِك، وليس سوَى الضَّحِك.
♦ ياه.. أحسُّ بأنَّنا لم نضحك منذ زمن!
♦ ياه.. أحسُّ بأنَّنا لم نتحدَّث مع بعضنا منذ زمن بعيد!
♦ فعلاً، فالحديث بـ”الماسنجر” لم يعد له طعم.
♦ ما أجمل هذه الجلسة! كم أتمنَّى أنْ تتكرَّر كلَّ يوم!
وفي هذا الجوِّ غير المألوف من السعادة قاطَعَهم صوتُ الأب من الداخل:
♦ الإنترنت يعمل يا أولاد.. عادت الإشارة.
♦ الإنترنت!
♦ الإنترنت!
انسَحَب الأولاد رويدًا رويدًا من الاحتفال.
♦ ياه.. هناك الكثير ينتظرنا الآن.
♦ ياه.. أحسُّ بأنَّنا لم (نشبك) منذ زمن!
♦ أحسُّ بأنَّنا لم نتحدَّث مع أصدقائنا منذ زمن بعيد!
♦ فعلاً، فالحديث بـ”المسنجر” له طعم خاص!
♦ ما أجمل الإنترنت.. كم أتمنَّى ألاَّ يفصل بعد اليوم!
حملت الأم نفسَها بتَباطُؤٍ وذهبت إلى المستودع لترى لماذا خرج أبناؤها من غرفهم إليه؟
فتحتْ باب المستودع..
(المُودِم!)
إشاراته خضراء، ولا إشارة حمراء!
عادت الأم إلى مكان الاحتفال.. تُلملِم البقايا:
بقايا الاحتفال.
بقايا الدموع.
Published: Feb 6, 2018
Latest Revision: Feb 22, 2018
Ourboox Unique Identifier: OB-425545
Copyright © 2018