الطّائِرُ كَرَمْزٍ وَطَنِيّ
كَثيرٌ مِنَ الدُّوَلِ تَخْتارُ رُموزَها الْوَطَنِيَّةَ مِنْ بَيْنِ الْحَيَواناتِ
أَوِ النَّباتاتِ أَوِ الطُّيورِ الَّتي تَعيشُ فيها وَتَشْتَهِرُ بِها. فَفي
لُبْنانَ مَثَلًا يَتَّخِذونَ مِنْ شَجَرَةِ الْأَرْزِ، وَهِي شَجَرَةٌ شَبيهَةٌ
بِالسَّرْوَةِ عِنْدَنا، رَمْزًا وَطَنِيًّا لِلدَّوْلَةِ. وفي مِصْرَ يَضَعونَ
النَّسْرَ فَوْقَ عَلَمِ الدَّوْلَةِ.
كَثيرٌ مِنَ الدُّوَلِ تَخْتارُ النَّسْرَ رَمْزًا لَها، بِسَبَبِ ما يُمَثِّلُهُ مِنْ
بَأْسٍ بَيْنَ الطُّيورِ. إِنَّ النَّسْرَ يَرْمُزُ إلى الرِّفْعَةِ وَالْمَناعَةِ،
لِكَوْنِهِ يَعيشُ في أَعالي الِْجبالِ وَيُحَلِّقُ عَلى مَسافاتٍ عالِيَةٍ
في السَّماءِ
النَّسْرُ الأقْرَعُ رَمْزُ أمريكا
لا عَجَبَ أَنْ يَكونَ «النَّسْرُ الأقْرَعُ»، وهُوَ نَسْرٌ أبْيَضُ الرَّأْسِ،
رَمْزًا لِلْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأمْريكِيَّةِ. وَقَدِ اخْتيرَ هذا الطّائِرُ
15 رَمْزًا لِهذِهِ الدَّوْلَةِ سَنَةَ 1782م بِسَبَبِ ما يَمْتازُ بِهِ مِنْ قُوَّةٍ
وَمِنْ مَنْظَرٍ مُهيبٍ وَحَياةٍ طَويلَةٍ نِسْبِيًّا، وَكَوْنِهِ مُنْتَشِرًا في
شَمالِ أمْريكا فَقَطْ.
وَيُحْكى مَثَلًا، أَنَّهُ في إحْدى الْمَعارِكِ في حَرْبِ التَّحْريرِ
الْأَمْريكِيَّةِ، أَيْقَظَتْ أَصْواتُ الْمَعْرَكَةِ سِرْبًا مِنَ النُّسورِ
20 كانَتْ تَنامُ فَوْقَ قِمَمِ الْأَشْجارِ. فَقامَتِ النُّسورُ بِالتَّحْليقِ
فَوْقَ رُؤوسِ الْمُحارِبينَ الْأَمْريكِيّينَ مُصْدِرَةً أصْواتَها
الْجَشّاءَ، ممّا فُسِّرَ بِأنَّهُ تَشْجيعٌ لِلْجُنودِ لِمُواصَلَةِ الْقِتالِ
ضِدَّ الإِنْجليزِ، مِنْ أَجْلِ الْحُرِّيَّةِ.
وفي بِلادٍ أخْرى
25 وَفي أُسْتراليا مَثَلًا، اتَّخَذوا طائِرَ «الْإيمو»، وَهُوَ طائِرٌ
شَبيهٌ بالنَّعامَةِ، رَمْزًا وَطَنِيًّا لِلْبِلادِ، بِالْإِضافَةِ إلى حَيَوانِ
«الْكَنْغارو» الْحَيوانِ الّذي يَحْمِلُ ابْنَهُ في جِرابِهِ وَيَعيشُ
في أُسْترالْيا فَقَطْ، رَمْزًا لِلدَّوْلَةِ الْأُستْرالِيَّةِ.
وَفي الْيابانِ اخْتاروا طائِرَ الْغَرْنوق (بالإنجليزيّة: Pacific
30 Reef Heron) رَمْزًا لِبِلادِهِمْ، وَهُوَ طائِرٌ بَحْرِيٌّ يَعيشُ في
مَناطِقَ كَثيرَةٍ في آسيا، تَشْمَلُ الْمَناطِقَ السّاحِلِيَّةَ في الْهِنْدِ،
جَنوبَ شَرْقِ آسيا، الْيابانَ، أُسْتراليا، تاسْمانيا ونيوزيلندا.
وَيَتَراوَحُ طولُ الْغَرْنيقِ بَيْنَ 55 إلى 90 سم مِنَ الْمِنْقاِر
حَتّى آخِرِ الذَّيْلِ، وَهُوَ صَيّادٌ ماهِرٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَغوصَ في
35 الْماءِ لِيَلْتَقِطَ فَريسَتَهُ.
أَمّا في الْأُرْدُنِّ فاخْتاروا الطّائِرَ الْمُسَمّى «الْعَصْفورُ الْوَرْدِيُّ
السينائيُّ» طَيْرًا وَطَنِيًّا لِلْمَمْلَكَةِ. وَهُوَ طَيْرٌ صَغيرُ الْحَجْمِ لا
يَزيدُ وَزْنُهُ عَنْ 25 غم، وَطولُهُ لا يَزيدُ عَنْ 15سم.
وفي مَمْلَكَةِ الْبَحْرينِ اخْتاروا طائرَ الْبُلْبُلِ الَّذي أَسْمَوْهُ
40 «الْبُلْبُلَ الْبَحْرينيّ» رَمْزًا وَطَنِيًّا.
وَبِما أَنَّ الْكيوي، الطّائِرَ الّذي لا يَطيرُ، لا يَعيشُ إِلّا في
نيوزلندا، فَإِنَّهُ أَصْبَحَ الرَّمْزَ الوَطَنِيَّ لِتلْكَ الْبِلادِ.
«التوكورورو» الَّذي يَصْعُبُ الْإيقاعُ بِهِ قََدْ أَثارَ إعْجابَ
الْكوبيّين، فَاقْتَبَسوا أَلْوانَ عَلَمِ جَزيرتِهِمْ مِنْ أَلْوانِ ريشِهِ.
45 وفي كُرْدِستان الْعِراقِ، اتَّخذوا مِنْ طائِرِ الْحَجَلِ الَّذي
يُسَمّونَهُ «الْحَجَلَ الرّوميَّ» رَمْزًا وَطَنِيًّا لَهُمْ.
وَكَثيرًا ما يُسَمّي النّاسُ في كُردستان بَناتِهِمْ بِاسْمِ «كه وي»
وهُوَ اسْمُ أُنْثى الْحَجَلِ في لُغَتِهِمِ الْكُرْدِيَّةِ. كَما يُطْلِقونَ عَلى
الذُّكورِ مِنْ أبْنائِهمِ اسْمَ «رياد» وَهُوَ ذَكَرُ الْحَجَلِ الْمُمَيَّزِ
50 بِلَوْنِهِ وَشَدْوهِ. وَكَثيرًا ما يُشَبِّهُ الْعُشّاقُ الأكْرادُ حَبيباتِهِمْ
بِهذا الطّائِرِ، نَظَرًا لِجَمالِهِ، وَما إنْ يَرى أحَدُهُمْ شَخْصًا رَشيقًا
خَفيفَ الْحَرَكَةِ، حَتّى يُشَبِّهُهُ بِطائِرِ الْحَجَلِ.
وَالْحَجَلُ لَيْسَ غَريبًا عَلَيْنا في بلادنا؛ فَلَطالَما رَأَيْناهُ يَرْكُُضُ
في شِعابِ الأوْدِيَةِ وَالْجِبالِ. هُوَ أشْبَهُ ما يَكونُ بِدَجاجَةٍ
55 بَرِّيَّةٍ. بَلْ وَتَضَعُ أنْثى الْحَجَلِ بَيْضَها في حُفْرَةٍ في الأرْضِ
تَحْتَ الشُّجَيْراتِ وَالأعْشابِ، تَمامًا كَما يَفْعَلُ الدَّجاجُ. إنَّهُ
طائِرٌ مُمْتَلِئُ الْجِسْمِ يُغْري الصَّيّادينَ بِمُطارَدَتِهِ. وَلكنْ حَتّى
الْكِلابُ الْمُدَرَّبَةُ لا تَسْتَطيعُ أنْ تُجارِيَهُ في الرَّكْضِ. إنَّهُ
يُفَضِّلُ الْجَرْيَ عَلى الطَّيَرانِ، وَلكِنَّهُ يَطيرُ بَعيدًا عِنْدَ شُعورِهِ
60 بِالْخَطَرِ، وَلَهُ قُدْرَةٌ كَبيرَةٌ عَلى التَّمْويهِ وَالتَّخَفّي.
وَتَخْتارُ الدَّوْلَةُ الطَّيْرَ الَّذي تَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُمَثِّلُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ
خَصائِصَها وَسُكّانَها وَقِيَمَها مِنْ بَيْنِ طُيورِ بِلادِها.
وَيَظْهَرُ الطّائِرُ الْوَطَنِيُّ عَلى الطَّوابِعِ الْبَريدِيَّةِ لِلدَّوْلَةِ، عَلى
بِطاقاتِ الِاعْتمادِ، عَلى الْعُمْلاتِ الْمَحَلِّيَّة، عَلى الأَوْراقِ
65 الرَّسْمِيَّةِ وَغَيْرِها.
وَلِهذا الْمَوْضوعِ أهَمِّيَّةٌ كَبيرَةٌ مِنْ ناحِيَةِ الْقِيَمِ لِمُواطِني
الدَّوْلَةِ، وَبِالأخَصِّ بَيْنَ الطُّلابِ. فَاخْتِيارُ طَيْرٍ وَطَنِيٍّ لِدَوْلَةٍ
سَيُقَرِّبُ مُواطِني الدَّوْلَةِ مِنَ الْحَياةِ الْبَرِّيَّةِ، وَمِنْ عِلْمِ الأحْياءِ
لِهذِهِ الدَّوْلَةِ وَمِنْ طُيورِها, وَيُعَزِّزُ الشُّعورَ بِالانْتِماءِ بَيْنَ
70 مُواطِنيها. فَكَما أنَّ لِلدَّوْلَةِ عَلَمًا، فإنَّ لَها طَيْرًا وَطَنِيًّا يُمَثِّلُها
أيْضًا.
وَفي بِلادِنا
وَفي إسْرائيلَ، في سَنَةِ 2008 بَدَأَ مَشْروعُ اخْتِيارِ الطَّيْرِ
الْوَطَنِيِّ لِلدَّوْلَةِ، بِمُناسَبَةِ مُرورِ 60 سَنَةً عَلى قِيامِها. وَكانَ
75 الْمُبادِرينَ لِهذا الْمَشْروعِ جَمْعَيَّةُ حِمايَةِ الطَّبيعَةِ، ومَرْكِزُ
الطُّيورِ، وَالْمَرْكِزُ الدُّوَلِيَّ لِأَبْحاثِ هِجْرَةِ الطُّيورِ في «اللَّطرون».
وَقَدْ جَرى اخْتِيارُ الطَّيْرِ الْوَطَنِيِّ عَلى مَرْحَلَتَيْنِ: في الْمَرْحَلَةِ
الأولى اخْتارَتْ جَمْعِيَّةُ حِمايَةِ الطَّبيعَةِ 10 طُيورٍ مِنْ بَيْنِ
طُيورِ بِلادِنا، لِتَدْخُلَ الْمُسابَقَةَ. هِيَ:
80 1. الْبُلْبُلُ، 2. الْهُدْهُدُ، 3. الصَّقْرُ الْأَحْمَرُ الذَّيْلِ (الْبازُ
الأَحْمَرُ)، 4. النَّسْرُ، 5. الْكَرْكَس (السَّقساق أو الزَّقْزاق)،
6. الْفِسْفِسُ (الطّائِرُ الْمُغَرِّدُ)، 7. الْوَرْوارُ (طائِرُ الشَّمْسِ
الْفِلِسْطينِيُّ)، 8. السَّمّاكُ (صَيّادُ السَّمَكِ)، 9. الْبومَةُ
الْبَيْضاءُ، 10. الْحَسّونُ (عَروسُ التُّرْكُمان).
وَفي الْمَرْحَلَةِ الثّانِيَةِ عُرِضَتْ هذهِ الطُّيورُ عَلى الْجُمْهورِ
الْواسِعِ، لِاخْتِيارِ الطَّيْرِ الّذي سَيُمَثِّلُ الدَّوْلَةَ. وَكانَ يَحِقُّ لِكُلِّ
مُواطِنٍ راغِبٍ أنْ يُدْلِيَ بِصَوْتِهِ، مِنْ خِلالِ أَجْهِزَةِ الِاتِّصالِ
الْمُخْتَلِفَةِ وَشَبَكَةِ الإنْتِرْنِت، وَيُصَوِّتَ لِلطَّيْرِ الّذي يُعْجُبُه مِنْ
بَيْنِ الْعَشَرَةِ. وَقَدْ أعْلَنَ رَئيسُ الدَّوْلَةِ نَتيجَةَ التَّصْويتِ: فَوْزَ
90 طائِرِ الْهُدْهُدِ.
وَالْغَريبُ أَنَّ الْعُصْفورَ الدّوريّ، وَهُوَ أَكْثَرُ عُصْفورٍ نَراهُ في
قُرانا وَقَريبًا مِنْ بُيوتِنا لَمْ يَدْخُلِ الْمُسابَقَةَ الْمَذْكورَةَ، كَذلِكَ
لَمْ يَدْخُلْها الشُّحْرورُ وَلا الْحَمامُ وَلا السُّنونو، وَكَثيرٌ غَيْرُها
مِنَ الطُّيورِ. فَهَلْ قامتِ السِّياسَةُ بدَوْرٍ في هذا الِاخْتِيارِ؟
95 وَقَدْ بَرَّرَ الْقَيِّمونَ عَلى الْمَشْروعِ اخْتِيارَ الْهُدْهُدَ كرَمْزٍ وَطَنِيٍّ لِلدَّوْلَةِ
بِعِدَّةِ أسْبابٍ أَهَمُّها:
1. أَنَّ الْهُدْهُدَ يَبْني عُشَّهُ في الْبِلادِ، وَلا يُهاجِرُ كَبَقِيَّةِ الطُّيورِ.
2. لَوْنُهُ الْمُمَيَّزُ وَصَوْتُهُ الْعَذْبُ.
3. كَوْنُهُ يَظْهَرُ في التُّراثِ الْقديمِ، وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُهُ في التَّوْراةِ وَفي الْقُرآنِ
100 الْكَريمِ، حينَ جاءَ إلى الْمَلِكِ سُلَيْمانَ الْحَكيمِ يَحْمِلُ أخْبارَ بِلادِ الْيَمَنِ
وَممَلِكَةِ سَبَأ.
وَلِلْهُدْهُدِ عُرْفٌ مُمَيَّزٌ كَالتّاجِ عَلى رَأْسِهِ، وَلَهُ طَريقَةٌ مُمَيَّزَةٌ في الطَّيَرانِ،
وَيَتَغَذّى عَلى الْحَشَراتِ، وَهُوَ مِنْ أصْدِقاءِ الْفَلّاحينَ، فَهُوَ يُنَظِّفُ الأرْضَ
مِنَ الدّيدانِ وَالْيَرَقاتِ وَالآفاتِ، يَلْتَقِطُها بِسُهولَةٍ بِمِنْقارِهِ الطَّويلِ
105 الْمُدَبَّبِ الّذي يَتَمَيَّزُ بِقِلَّةِ الانْحِناءِ. وَيُسَمّى صَوْتُ الْهُدْهُدِ هَدْهَدَةً.
Published: Jun 30, 2017
Latest Revision: Jun 30, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-351322
Copyright © 2017