العَطْفُ عَلَى الأَبْناءِ
2
من أَفضلِ الغرائزِ التي وَهَبَها اللهُ تعالى للحيواناتِ تَعَلُّقِها بِصِغارِها, وَعِنايَتِها بِها, وَحِمايَتِها مِنَ الخَطَرِ. وَهِيَ مَدفوعَةٌ إِلى ذلكَ بِعامِلِ المُحافَظَةِ عَلَى كَيانِها, وَاسْتِبْقاءِ جِنسِها فَأُنْثى الفيلِ مَثَلا تَكُونُ في الْعَادَةِ هادِئَةَ الطَّبْعِ وَديعَةً, وَلَكِنَّها تَثُورُ وَتَغْضَبُ إِذا مَسَّ الضَّرَرُ ابْنَهَا, وَتُدافِعُ عَنْهُ حَتَى آخِرَ رَمَقٍ مِنْ حَياتِها, وَقَدْ تُصيبُها المَقْذوفاتُ النَّارِيَّةِ, وَيَتَقاطَرُ الدَّمُ غَزيرًا مِنْ جِسْمِها وَلَكِنَّهَا لا تَنْفَكُّ عَنْ صِيانَتِهاا لابْنِها حَتَّى يُدْرِكُها المَوْتُ.
3
وَوَحيدُ القَرْنِ قَدْ يَفْقِدُ حَياتَهُ في سَبيلِ دِفاعِهِ عَنْ صِغارِهِ, وَمُحاوَلَتِهِ إِنْقاذِهِم. وَفَرَسُ البَحْرِ عَلَى ضَخامَةِ جِثَّتِهِ وَغلْظِ جِلْدِه وَمَنْظَرِهِ العام الذي يَدْخُلُ في رَوْعِ النّاظِرِ إِلَيْهِ أَنَّهُ فاقدُ الإِحْساسِ, يَمْتازُ بِحُنُوٍّ وَعَطْفٍ شَديدَيْنِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغيرِ, وَيَثورُ بِعُنْفٍ فِي الدِّفاعِ عَنْهُ, وَإِذْ ذاكَ يَكونُ شَديدَ الخَطَرِ لأَنَّهُ يَسْتَطيعُ أَنْ يُقاوِمَ عَشْرَةَ رِجالٍ وَيَغْلِبَهُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ.
4
وَأُنْثَى الحُوت تُحِبُّ ابْنَها الرَّضيعَ حُبًّا جمًّا وَتُلازِمُهُ سَنَةً كامِلَةً, تُغَذِّيهِ فيها وَتُحافِظُ عَلَى سَلامَتِهِ, وَإِذا مَسَّهُ ضَرَرٌ أَصابَتْها ثَوْرَةٌ مِنَ الجُنونِ, وَأَصْبَحَتْ أَفْظَعَ حَيَوانٍ فِي الطَّبيعةِ, وَيُمْكِنُها إِذْ ذاكَ أَنْ تُحَطِّمَ قارِبًا كَبيرًا وَتُرْسِلُ مَنْ فِيه إِلى الهَلاكِ. وَهِيَ تَبْقَى بِجانِبِ ابْنِها حَتَى بَعْدَ أَنْ يَموتَ, وَتَسْتَمِرُّ فِي الدِّفاعِ عَنْهُ إِلَى أَنْ تَقَعَ صَريعَةً بِقُرْبِهِ.
وَالدُّبُّ الأَبْيَضُ مَعْروفٌ بِقُوَّتِهِ وَشَراسَتِهِ, وَقَدْ خُلِقَ في مِكانٍ مُحاطٍ بِالجَليدِ الدَّائِمِ وَالبَرْدِ الْقَارِسِ الْمُسْتَمِرِّ, وَلَكِنْ فِي ضُلُوعِهِ حَرارَةٌ مَليئَة بِالحَنانِ الأَبَوِيِّ عَلَى أَبْنائِهِ حَتَى لَيُقال إِنَّهُ يَفوقُ الآدَمِيِّينَ فِي هَذِهِ الْعَاطِفَةِ
5
Published: May 15, 2017
Latest Revision: May 15, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-312488
Copyright © 2017