إن الصدق في الأقوال والأعمال من أبرز صفات المؤمنين التي يتميزون بها عن غيرهم في الدنيا والآخرة، كما قال النبي : «إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة» متفق عليه. كما أن الكذب من أبرز أوصاف المنافقين وهو يهدي إلى الفجور الذي يهدي إلى النار.
3
محاسن الصدق ومساوئ الكذب:
الصدق مطابقة الخبر للواقع، وهو مطلوب من الإنسان في قوله وعمله واعتقاده، وفي تحقيق مقامات الدين كلها، وقد أمر الله بالصدق في عدة آيات من كتابه، وأثنى على الصادقين فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{[التوبة: 119] وأخبر أنه أعدّ لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا ومدح الصادقين والصادقات.
4
وقال تعالى: }فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ{ [محمد: 21] والصدق عنوان الإسلام وميزان الإيمان وعلامة الكمال، والصدق يهدي إلى البر الجامع لأبواب الخير كلها الموصلة إلى جنات النعيم }إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{[الانفطار: 13] والكذب الممقوت الداعي إلى الفجور الجامع لأبواب الشر كلها المؤدية إلى نار جهنم: }وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ{[الانفطار: 14] .
5
وقال الرسول الكريم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» متفق عليه.
7
فيديو للشيخ محمد العريفي عن اهميه الصدق
8
9
وإذا تعلق الإنسان بشيء وتخلق به عُرف به حقًا كان أو باطلاً، وصار ممدوحًا به أو مذمومًا عليه، وخير ما يمدح به المرء هو الصدق في الحديث وتجنب الكذب، ومن صدق في حديثه مخاطبًا أو مجيبًا وآمرًا وناهيًا وتاليًا وذاكرًا ومعطيًا وآخذًا كان عند الله، وعند الناس صادقًا محبوبًا مكرمًا موثوقًا به
10
والصادق في عمله بعيد عن السمعة والرياء لا يريد بفعله وتركه إلا الله تعالى، فصلاته وزكاته وصومه وحجه وجهاده ونطقه وصمته وحركته وسكونه كلها لله وحده لا شريك له لا يريد بإحسانه غشًّا ولا خديعة ولا يطلب من أحد غير الله جزاءً ولا شكورًا، لا يخالطه أحد إلا وثق به وأمنه على نفسه وأهله وماله، يرغب الناس في جواره ومعاشرته ومصاهرته، وهو مؤتمن الأحياء ووصي الأموات وناظر الأوقاف وحافظ الودائع، ومؤدي الحقوق إلى ذويها، وبذلك يكون معتبرًا عند الله وعند الناس.
11
قال الرسول الكريم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما» رواه البخاري ومسلم، فالبركة مقرونة بالصدق والبيان، والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان والمشاهدة والواقع أكبر دليل على ذلك، لا تجد صادقًا إلا مرموقًا بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم يحوز الشرف وحسن السمعة والاعتبار ويتسابق الناس إلى معاملته وبذلك تتم له سعادة الدنيا والآخرة.
13
وهذا بخلاف الكذب المرذول فكلما أفرط المرء في الكذب والإخبار بما لم يقع عرف عند الله وعند خلقه بأنه كذاب فلا يقام له وزن ولا يأمنه أحد على شيء، فالكاذب يجني على نفسه قبل أن يجني على أحد لا سيما إذا تحرى الكذب حتى يكتب كذابا في السماء والأرض، فالكذب دليل على حقارة الكذاب وخيانته وقلة أدبه، والكذب يفضي بصاحبه إلى اللعن والطرد والفجور المؤدي إلى النار، فالكذب جماع الشر وأصل كل ذم لسوء عواقبه وخبث نتائجه.
14
منزلة الصدق
قال ابن القيم رحمه الله: ومن منازل }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ منزلة الصدق.
وهو منزل القوم الأعظم، منه تنشأ جميع منازل السالكين، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته.
16
فالصدق هو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين.
17
فيديو بشكل كرتون للاطفال عن الصدق
18
19
وقد أمر سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين، وخص المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{[التوبة: 119] .
وقال تعالى: }وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ{ [النساء: 69] فهم الرفيق الأعلى }وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا{ ولا يزال الله يمدهم بأنعمه وألطافه ومزيده إحسانًا منه وتوفيقًا، ولهم مرتبة المعية مع الله، فإن الله مع الصادقين، ولهم منزلة القرب منه، إذ درجتهم منه ثاني درجة النبيين.
21
وأخبر تعالى أن من صدقه فهو خير له، فقال: }فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ{[محمد: 21].
23
وأخبر تعالى عن أهل البر، وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان، والإسلام ، والصدقة، والصبر، بأنهم أهل الصدق فقال: }لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{[البقرة: 177] وهذا صريح في أن الصدق بالأعمال الظاهرة والباطنة وأن الصدق هو مقام الإسلام والإيمان.
24
فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال، كاستواء السنبلة على ساقها، والصدق في الأعمال، استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد والصدق في الأحوال، استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص، واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة، فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية، سمي الصديق على الإطلاق والصديق أبلغ من الصدوق والصدوق أبلغ من الصادق.
26
ومن أمثلة الصدق الرفيعة ما يأتي:
1- روي الترمذي عن عبد الله بن الحمساء قال: بايعت رسول الله r ببيع قبل أن يبعث، وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام، فجئت فإذا هو في مكانه فقال: «يا فتى لقد شققت علي أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك».
ومثل هذا الذي حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام وحصل بجده الأعلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل، حتى أثنى الله تعالى عليه في كتابه العزيز بقوله: }وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا{[مريم: 54].
27
2- خطب الحجاج بن يوسف يومًا، فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: الصلاة فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون فقال الحجاج: إن أقر بالجنون خلصته من سجنه، فقال الرجل: لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليَّ وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها فلما رأى الحجاج صدقه خلى سبيله.
28
3- روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أنه خرج يطلب الحديث من رجل فرآه قد هربت فرسه، وهو يشير إليها برداء كأن فيه شعيًرا فجاءته فأخذها فقال البخاري: أكان معك شعير؟ فقال الرجل: لا، ولكن أوهمتها فقال البخاري: لا آخذ الحديث ممن يكذب على البهائم، فكان هذا من البخاري مثلاً عاليًا في مجرى الصدق.
29
Published: May 24, 2016
Latest Revision: May 31, 2016
Ourboox Unique Identifier: OB-156579
Copyright © 2016