هدير الصمت
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

هدير الصمت

by

Artwork: abeer kabha

  • Joined Jul 2022
  • Published Books 1

كلية سخنين لاعداد المعلمين

 

 

الملف النهائي لموضوع

“الشعر الحديث”

 

اعداد الطالبة:عبير كبها

مقدمة الى:د.كوثر جابر

التخصص:لغة عربية

قدمت هذه المهة استكمالا لمتطلبات المساق

2

يهدف هذا البحث إلى تحليل قصيدة “هدير الصمت” من كتاب “اثرالفراشة” وفق المضامين والاساليب الفنية.

وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيم مادته العلمية إلى مبحث وخاتمة. تسبقهما مقدمة ، وتعقبهما خاتمة، ثم ثبت بأهم المصادر والمراجع على النحو الآتي. – المقدمة: فتضمنت التعريف بالشاعر محمود درويش.

– المبحث: تضمن الوقوف على العنوان وأهميته،وسماع القصيدة ويتبعها عرض وتحليل القصيدة مع صدى تجربة درويش بالقصيدة اضافة الى عرض قصة الصمت في فلسطين.

 ثم ينهى البحث بالخاتمة: وفيها نوضح خاتمة البحث ، إضافة إلى قائمة المصادر والمراجع.

3

المقدمة:

التعريف بالشاعر محمود درويش

يعتبر من أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب، عرف كأحد أدباء المقاومة والتحمت قصائده بالقضية الفلسطينية حتى سماه البعض بشاعر الجرح الفلسطيني, له ما يزيد على 30 ديوانا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، ترجم شعره إلى عدة لغات. توفي بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية القلب المفتوح ودفن بمدينة رام الله في الضفه الغربية.

المولد والنشأة
ولد محمود درويش 13 مارس/آذار عام 1941 في قرية البروة في الجليل بفلسطين، ونزح مع عائلته إلى لبنان في نكبة 1948، وعاد إلى فلسطين متخفيا ليجد قريته قد دمرت، فاستقر في قرية الجديدة شمالي غربي قريته البروة.

الدراسة والتكوين
أتم تعليمه الابتدائي في قرية دير الأسد بالجليل، وتلقى تعليمه الثانوي في قرية كفر ياسيف.

الوظائف والمسؤوليات
انضم درويش إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي في فلسطين، وعمل محررا ومترجما في صحيفة الاتحاد ومجلة الجديد التابعتين للحزب، وأصبح فيما بعد مشرفا على تحرير المجلة كما اشترك في تحرير جريدة الفجر.

4

التجربة السياسية
اعتقل أكثر من مرة من قبل السلطات الإسرائيلية منذ عام 1961 بسبب نشاطاته وأقواله السياسية، وفي عام 1972 توجه إلى موسكو ومنها إلى القاهرة وانتقل بعدها إلى لبنان حيث ترأس مركز الأبحاث الفلسطينية.

شغل منصب رئيس تحرير مجلة شؤون فلسطينية، كما ترأس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وأسس مجلة الكرمل الثقافية في بيروت عام 1981.

انتخب عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، ثم مستشارا للرئيس الراحل ياسر عرفات.

كتب إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي أعلن في الجزائر عام 1988، واستقال من اللجنة التنفيذية بعد خمس سنوات احتجاجا على توقيع اتفاق أوسلو

المؤلفات
بدأ كتابة الشعر في المرحلة الابتدائية وعرف كأحد أدباء المقاومة، ولدرويش ما يزيد على ثلاثين ديوانا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، وقد ترجم شعره إلى عدة لغات، وأثارت قصيدته عابرون في كلام عابر جدلا داخل الكنيست.

نشر آخر قصائده بعنوان “أنت منذ الآن غيرك” يوم 17 يونيو/حزيران 2007، وقد انتقد فيها التقاتل الفلسطيني. ومن دواوينه عصافير بلا أجنحة، أوراق الزيتون، أصدقائي لا تموتوا، عاشق من فلسطين، العصافير تموت في الجليل، مديح الظل العالي، حالة حصار،… إلخ.

5
من مؤلفاته

الجوائز والأوسمة
حصل على عدة جوائز منها جائزة لوتس عام 1969، جائزة البحر المتوسط عام 1980، دروع الثورة الفلسطينية عام 1981، لوحة أوروبا للشعر عام 1981، جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفياتي عام 1982، جائزة لينين في الاتحاد السوفياتي عام 1983، جائزة الأمير كلاوس (هولندا) عام 2004، جائزة العويس الثقافية مناصفة مع الشاعر السوري أدونيس عام 2004.

الوفاة
توفي درويش في 9 أغسطس/آب 2008 بالولايات المتحدة إثر خضوعه لعملية جراحية للقلب بمركز تكساس الطبي في هيوستن, ودفن في 13 أغسطس/آب بمدينة رام الله في قصر رام الله الثقافي.

أشهر أقوال محمود درويش

7

8

المبحث الاول:

تضمن الوقوف على العنوان وأهميته،وسماع القصيدة ويتبعها عرض وتحليل القصيدة مع صدى تجربة درويش بالقصيدة اضافة الى عرض قصة الصمت في فلسطين.

ابتدأ الشاعر قصيدته بقوله:

أُصغي إلى الصمت. هل ثمة صمت ؟ لو
نسينا اسمه , وأَرهفنا السمع إلى ما
فيه , لسمعنا أَصوات الأرواح الهائمة
في الفضاء , والصرخات التي اهتدت إلى
الكهوف الأولى . الصمت صوت تبخّر واختبأ
في الريح , وتكسّر أَصداء محفوظةً في

جِرارٍ كونيّة.

9

إن عنوان هذه القصيدة يأخذنا على مفارقة كبرى, الذي يجعل للصمت ضجيجاً في نفس الشاعر. فالشاعر يسمع صوت ضجيج الصمت, الذي ينطوي, في تصوره, على أصوات ما زالت تدور في الفضاء , فإذا كانت الطاقة, بحسب قوانين الفيزياء, لا تفنى ولا تستحدث فانها تتحول من شكل إلى آخر, فهنا درويش يتحسس هذا التحول في الكون من حوله, فيصغي إلى أصوات مغرقة في القدم. اي اصوات الارواح الهائمة هي تلك النفوس التي فقدت أجسادها بالموت وبقيت متعلقة تعلقاً شديداً بتلك الأجسام

يقول:

لو أرهفنا السمع لسمعنا
صوتَ ارتطام التفاحة بحجر في بستان الله ,
وصرخةَ هابيل الخائفةَ من دمه الأول ,
وأَنينَ الشهوة الأصلي بين ذكر وأُنثى
لا يعرفان ما يفعلان , ولسمعنا تأملاتٍ

يونس في بطن الحوت

 بعد فترة طويلة من انتفاضة شعبية ادت إلى حرب أهلية مدمرة,وجد درويش نفسه أكثر وحدة، بعد أن مزقت الحرب النسيج الاجتماعي, وفرقت بينه وبين معظم الأهل والأصدقاء, بقيت قدماه عالقتين في وحل الوطن, التي غادرها مع اصدقائه , متوجهين إلى المنافي البعيدة والقريبة,واصبحوا أسماء في قوائم المعتقلين والمفقودين, خيم عليه صمت عميق  ما جعله يكتب ذات مره عن هديره،

10

متسائلًا

هل ثمة صمت؟”، ماذا لو “نسينا اسمه وأرهفنا السمع إلى ما فيه؟”.. يجيب درويش:

لسمعنا

صوتَ ارتطام التفاحة بحجر في بستان الله،

وصرخةَ هابيل الخائفةَ من دمه الأول،

وأَنينَ الشهوة الأصلي بين ذكر وأُنثى

لا يعرفان ما يفعلان، ولسمعنا تأملات

يونس في بطن الحوت، والمفاوضات السرّية

بين الآلهة القدامى

وإلى بكاء جلجامش على صاحبه أَنكيدو،

وإلى حيرة القرد حين قفز من الشجرة

إلى عرش القبيلة”

 وتحيل هذه المقطوعة الشعرية أيضاً على استمراية الأشياء التي تبدو لنا للوهلى الاول انها فانية ومنتهية فهنا يظهلر درويش محاولة لبقاء مظاهر الخلود والديمومة من خلال شعوره المستمر  باقتراب الموت, وكانه يحقق, فنيا, نوعا من الخلود والديمومة, فهنا تشكل معركة البقاء بمعنى التمسك بالهوية والوطن والانتماء تحت لهيب الاحتلال وتحت وطأة الحصار النفسي.

11

 

بهذا المعنى الواضح والعميق, يضفي الشاعر محمود درويش على الصمت ملامح تجعل منه مصدر التأوهات البشرية منذ الولادة والبدايات الاولى للإنسان, كما أنه خزان لذاكرة الوجع والأنين, ولذلك يطلب منا أن نصغي إلى الصمت، لعل ثمة أرواحا هائمة في الفضاء، وصرخات قابعة في صمت الكهوف الأولى ,منذ تفاحة آدم مرورا بقابيل وهابيل, والآلهة القدامى إلى بكاء جلجامش، وشتائم القبيلة بين سارة وهاجر. إلى أن يقول:

لو أرهفنا السمع/ إلى صوت الصمت….. لصار كلامنا أقل..! / بخاصة حين يتناسق إيقاع الليل مع إيقاع الصمت/ ولو أرهفنا السمع/ إلى ما وراء حجاب الصمت، لاستمعنا إلى/ أحاديث الليل بين الأنبياء وزوجاتهم/ حينذاك، يتوق الليل والصمت إلى بعضهما ببعض, ويحرم الإنسان من حس الوجهة ,ومن معالم المعنى, ويجعل ذاته تنكمش على نفسه, فيعيش ذلك الاختيار الخطير    لفقدان حريته وحرية شعبه المكبوت تحت الاحصار

12

يقول درويش أن الصمت منحنه فرصة ليراقب ذاته من خارجها, وليطل من هناك على وجعه؛ رموز ذاكرته التي دمرتها المعارك والحروب؛ مشاعره تغيرت وهواجسه تضخمت حتى لغته التي أصبحت شظايا ,اذا هل يحق لنا الخوف من الصمت؟

لو أرهفنا السمع إلى صوت الصمت “لصار كلامنا أقلّ”, كما يذهب الشاعر، لكن بعد ما يكفي من سماع كان لا بد له من كسر حاجز الصمت الذي بدد ضجيج الاجتماع الطبيعي, كان يخوض  حوارات مع ذاته، ساعيًا، بفضل هذا المونولوج ,فهنا يظر لنا اهمية المونولوج في قصائد درويش

ويعبر درويش عن كراهيته العميقة للصمت ومن هنا ويستوحي لنا التناص الديني من خلال قصة سيدنا يونس في بطن الحوث وذلك من شدة المعاناة وتعبر عن تجربة انسانية مؤثره والشاعر اثناء تجسيدة للصمت يبين لنا معاناة الشعب الفلسطيني وذلك من خلال التكرار

“لو أرهفنا السمع إلى صوت الصمت” ليظهر لنا قوة الصمت

 ويكمل درويش باستداء رمز هابيل التي تشير الى الحياة والخلود من جهة والى البعث والاستمراية من ناحية اخرى ويظل هابيل رمزا للانسان المقاتل والمطارد

13

14

الخاتمة رمزالصمت في القصيدة عميق التأثيرفهو لم يقل شيئ.كما أنه بمثابة أداة معرفية لادانة الهزائم التي تعاني منها الأمة في هذا العصر ولجأ محمود درويش في بناء رمزه إلى تقنيات أسلوبية تراثية وحداثية من أهمها  التكرار والتناص  فقد عمد إلى تكرار بعض الألفاظ في قصائده  لتعميق الدلالة وترسيخ أبعاد الرمز كما ظل درويش  يصارع على ذاكرة المكان  إيمانا منه بأن فلسطين هي مهد الحضارات والديانات ورغبة منه باكتمال الثقافة العربية على يديه ,ولا زالت تانيث الصمت في قصيدة هدير الصمت لها دلالات عميقة من خلالها أبدع درويش في وصول فكرة الصمت للمسمتع لارتباط شعره بالواقع الإنساني بعامة وبالحالة الفلسطينية بخاصة .

15

قصة الصمت في فلسطين: للكيان ماضٍ في هيئة فعل

لعملية الإصمات تاريخ طويل ومنوّع في فلسطين. يمكن تتبع التلميح اللفظي الاستعماري للصمت في إنكار صفة الشعب في نص الانتداب الذي فُرِض على فلسطين والفلسطينيين عقب الحرب العالمية الأولى. قام الغزاة الأوروبيون من بريطانيا في صك حكمهم الرسمي بتسمية شعب فلسطين الأصلي بمسمى «غير اليهود». الإنكار شريك الإصمات، والإنكار والإصمات رفيقان، جلبهما معاً المستعمرون.

منذ سحب تسمية الفلسطينيين في بداية الحكم الاستعماري البريطاني لفلسطين، بات ولع المستعمرين بالإصمات القصة السائدة في فلسطين، ذلك، لما يزيد على قرن من الزمان. فهي قصة كتبها المستعمرون لتغطية جغرافيات غزوهم خلال القرون الخمسة الماضية. خلال هذا التاريخ الطويل، كان الإصمات بكل تأكيد، شريكاً للقمع. العلاقة بين الإصمات والقمع متقاربة وحميمة في فلسطين. هما معاً قرينا خيال المستعمِر، معاً على/في فلسطين – لمئة سنة والعد ما زال مستمراً…

لقد بلغ الإصمات مستويات جديدة وغير مسبوقة في فلسطين في العام 1948. أخرجت الجيوش المستعمرة الناس بعنف من موطنهم. العنف والإصمات شريكان في الجريمة على مدار زمان المستعمرين وفضائهم. فماذا يمكن أن يكون أشد إصماتاً من الإبادة العنيفة؟ بعد الطرد، وجد الإصمات شريكاً آخر له؛ المنفى. المنفى كما أخبرنا إدوارد سعيد، «هو الصدع الذي لا يلتئم ويُفرَض بين الإنسان وموطنه الأصلي، بين النفس وموطنها الحقيقي: لا يمكن التغلب أبداً على حزنه الجوهري

16

اذاً، فإن الإصمات والحزن رفيقان حميمان. لقد نُفيت فلسطين وأصبح الإصمات الأمر السائد، لأن المستعمر لم يستطع أن يتحمل رؤية وسماع حضورنا. لم يستطيعوا أن يتحمّلوا سماعنا، لذا حدّد المستعمرون عالمنا وحصروه في عالم من الصمت. بممارسته من قبل المستعمرين، الإصمات هو موت. في أزمنة المستعمرين الوحشية، الإصمات هو رغبتهم في إبادتنا بلا صوت.

الإصمات –في ترسانة أسلحة المستعمرين– يرسم حدود هزيمة السكان الأصليين. الإصمات –في أرض محرومة من سكانها الأصليين وبين سكان أصليين محرومين من أرضهم– هو طريقة الكينونة. الإصمات –المفروض على الشعب– يولِّد اليأس.

ولكن، بينما فَرضَت ظلال الإصمات أذرعها الطويلة على التاريخ على هيئة غياب، يحذرنا عبد الرحيم الشيخ، في قراءته لفيصل دراج، من أن: «المهزومين ليسوا بحاجة إلى التاريخ، إلا إذا تمكّنوا من استخدامه في معارك لا تجدّد هزيمتهم».(3) كان هذا تعبيره للدلالة عن فكرة «النكبة تحت الأرض»، وهو مصطلح استخدمه في مشروعه القائم حول «المقبرة الحية» ليواجه به، جزئياً، فعل الإصمات وما تبعه من خلق للغياب الفلسطيني على الأرض وفي رواية فلسطين: تسلسل نسب ما تحت الأرض في فلسطين.

نظراً لكل ما شهدناه من إصمات استعماري، هل يمكن تحرير الصمت من سلطة المستعمر؟ عودة إلى مشهد «الاكتشاف»…

المغارة والاستغوار مع الصمت

المشهد: وادي القف، أكبر محمية طبيعية في تلال جنوب الخليل، التي نتسلّقها معاً نحو المغارة. وادي القف منطقة خلابة، جمالها يفوق الوصف، وبخاصة عندما يعوده العديد من المحبين الغرباء. بعضهم يتعلّق بالمفهوم الأسطوري بأن هذا الوادي الأخضر هو المكان الذي التقى فيه آدم وحواء عندما نزلا من جنة عدن. لست متأكدة من شكل الجنة التي تدعي أنها الجنة التي تلت جنة عدن،(4) ولكن في هذا اليوم البارد، كان المسير في وادٍ في جنوب فلسطين نحو شيء مادي، عبارة عن مغامرة إنسانية حقيقية، بينما تلك الخطوات التي نسير على أثرها بدت بغير ذي أهمية: لقد كنا على وشك أن نتعلم كيف «نستَغْوِر».

الاستغوار كفعل اللعب بالأدوار في اللغة فحسب، كان كافياً كي نحتار. كيف يمكن أن «نستغوِر» في مشهد كهذا؟ لو قمنا بوضع جنة عدن جانباً، فإن مشهد فلسطين الطبيعي، وبخاصة في عالم الُمغُر، تم احتكاره من قبل الأسطورة التوراتية، لدرجة اعتقدت معها مرة أن تحويل الاسم إلى فعل قد يكون الطريقة الأمثل لتخريب الأسطورة وتحريك الأشياء في هذا العالم تحت الأرضي.

علم الأساطير –في كافة أشكاله– محيّر ومستدام تاريخياً لأنه يروى كقصة جيدة. الأبناء الذين يخونون الآباء، والأخوة الذين يخدعون إخوتهم، والعشاق الذين يقومون بكل ما يمنّ به الخيال. لقد أحيى التاريخ تحت الأرضي في كل القصص هذه -المغر وشبكة القنوات التي تربط وتفصل تحت الأرض– فضاءات لأساطير عظيمة، حيث قيل إن الأنبياء التقوا أو دُفِنوا. شبكة المغر هذه هي الموقع الفعلي للأساطير الخرافية. القصص كثيرة، والخيال لا ينبض. ولكن هذه الأساطير –كما يرويها المستعمر الذي يبحث عن السلطة بينما يسيطر على الأرض– تشكِّل الأساس لحاجة ملحّة للدمار الكامل. هذه الأساطير هي الأكاذيب التي يستخدمها المستعمر في غزوه. في فلسطين للأساطير مشهد ما تحت الأرض.

17

وبينما أخذنا نصعد التلة، لاح مدخل المغارة: طور الصفا. حتى إنه كان هناك حبل تسلّق جانبي تعلقنا به كرتل واحد في طريقنا نحو المدخل. وعند مدخل المغارة، كان على الخبراء أن يشرحوا ما كنا على وشك القيام به: تحويل الاسم إلى فعل ومباشرة الاستغوار! تحدّثت ورود من نادي الاستغوار الفلسطيني –أول مجموعة فلسطينية لدراسة المغر– موضحة القواعد. عليّ الاعتراف بأنني حدقت فحسب بالمدخل، حينما انصرفت هي تتحدث، وأخذتُ أفكّر بالتاريخ. ليس في الأساطير القديمة، بل بكيفية تحويل الأساطير إلى حقيقة في فلسطين. فكّرتُ بالقصص التي سمعتها عن كون المغر أكثر المخابئ نجاعة وطبيعية لأولئك الذين يجري تعقّبهم من قبل الجيش المستعمر. فكّرتُ في تاريخ المقاومة الطويل وكيف التجأ الناس إلى هذه المغر. القصص الفلسطينية ليست بحاجة لأداة الخيال كي تتحول إلى ملحمية.

أساطير المقاومة كثيرة ولا تحتاج قصصها إلى دعم من صناعة الأساطير الخرافية، كي تكون في صلب هويتنا الجمعية في فلسطين. كانت هذه المغر جزءاً من جغرافيا المقاومة في فلسطين منذ زمن الغزاة المستعمرين – لسنا بحاجة لتكوين معنى لوجودنا غير المرحب به في الأرض. نحن ننتمي إلى هذه الأرض، ولا نحتاج إلى البحث عن اعتراف بانتمائها لنا. فكّرتُ بالتاريخ وبرواية القصص، بينما كنا نستعد لدخول المغارة. لو كان بمقدور الجدران رواية القصص عن الثّوار، في الثلاثينات، الذين استخدموا المغر كجزء من شبكة المقاومة الخاصة بهم؛ عن اللاجئين الذين بحثوا، بعد عقود، عن العزاء والأمان في المغر، الأبطال الشباب الذين تمت مطاردتهم قبل بضع سنوات، والبحث عنهم من قبل الجيش المستعمر في هذه المغر بعينها. لو استطاعت المغر الحديث، تخيّلوا القصص التي كانت سترويها. هل تم إصمات هذه المغر الفلسطينية أيضاً؟ في فلسطين، يرتبط موضوع المغر حتمياً بـ«القديم»، سواء أكان ذلك على أسس أثرية أم في سياق الأساطير الدينية. في فلسطين، تخضع هذه المواضيع للعنف البنيوي لسلطة الاستعمار. في فلسطين، يدّعي المستعمر ملكيته للأرض، بينما يسعى إلى محو الوجود الأصلي منا، ومن ثم التربّع عليها واحتلال قمم الجبال وأخاديد الوديان. في فلسطين، راح التوجه العنيف طيلة القرن الماضي نحو تحويل أسطورة أرض بلا شعب إلى واقع، يتسلّل إلى أشدّ الفضاءات صغراً وكبراً، على الأرض وفيها وتحتها. فلسطين، حتى عالمها تحت الأرضي، هو موضع للعنف.

حين انتهت التعليمات، اتجهنا إلى داخل المغارة، حيث كنت على وشك اكتشاف صوت الصمت.

18

فك سكون الصمت

ماذا يحدث عندما نذهب إلى البحث عن الصمت بدلاً من تركه يُفرض علينا؟ هل يمكن لبحث أصلاني عن الصمت أن يحرِّره من سيِّده؟ وأي مكان أفضل للبحث من هذه الجغرافيا تحت الأرضية للمغر، في أرض قديمة يعيش فيها سكان أصليون حداثيون ومستعمرون حداثيون يعملون على تدميرهم؟

وما إن دخلنا المغارة، حتى بدأت المتاهة على الفور. كانت الخطوات الأولى سلسة، ممرات واسعة، سهولة نسبية في المشي. لكن حين توغّلنا، تحوّلت السهولة إلى مشقّة. كان هنالك علامات وإشارات على الجدران، وكلّما واصلنا المسير، ازداد سواد العتمة. للمغر عالمها الخاص وكانت الخفافيش جزءاً منه. الصوت الذي أصدرته كسرَ الصمت الذي حقّقناه خلال مسيرنا داخل العتمة. توقّفتُ مع الآخرين خشية هذه الخفافيش. تساءلت، هل الخفافيش جزء عضوي من هذا العالم؟ لقد أعلمتنا بوجودها فور وصولنا أول جزء داخلي من المغارة. لم تحب الخفافيش الضوء الساطع غير المرحّب به الذي صدر عن الأضواء التي استخدمناها لتقودنا في طريقنا. لماذا أزعجها الضوء إلى هذا الحد؟ في تلك اللحظة أدركت أن الخفافيش غزاة. لهذا، كان المستعمرون يشعرون بقرابة غريبة مع الخفافيش، لدرجة أن بعضهم كان يستخدمها رمزاً لمقدرتهم العسكرية. لقد كانت تُصْمِت صمتنا. في هذه اللحظة أصبح للقواعد معنى. كانت الأفعال والأسماء في مكانها الصحيح. وجودنا –مثل جميع الأساطير الفلسطينية التي يتجلى تاريخها في المغر على مدى جغرافيا الاحتلال– هو لغة الرواية التي أبحث عنها – ما وراء الإصمات.

وهكذا وقفنا هناك، الأضواء مطفأة، في عتمة لا تستطيع اللغة احتواءها. وقفنا هناك واستمعنا، وللمرة الأولى سمعتُ ما وراء إصمات الخفافيش، إلى صمت أقوى من الغزاة. أنصتُ، بخوف مما لم أعرفه من قبل، بخوف من العتمة، بخوف من الهواء الذي بدأ يتثاقل مع كل نفس؛ أنصتُ إلى ما وراء الخفافيش، وسمعت صوت الصمت المجيد.

خلال مسيرنا في ذلك اليوم، حوّلْنا المغر إلى استغوار –الاسم إلى فعل– كما وجدنا طريقة لتحويل فعل آخر إلى اسم … الإصمات كممارسة من قبل سلطة استعمارية وحشية (فعل) أصبح في تلك اللحظة اسماً – صوت الأرض تحتك، الأرض فوقك، مع الأصوات كافة بينهما وقد اختلطت بصوت الهواء الرطب – صمت جميل.

في فلسطين، المقاومة هي الروح المتحمِّلة لشعب أصلي. إذاً، كيف يمكن لقصتنا أن تُروى وأن تُسمع، في فلسطين، عن فلسطين؟ في فلسطين، ما معنى أن تُسمع؟ في فلسطين، ما هو صوت فكّ سكون الصمت؟ في ذلك اليوم، في تلك التلة، داخل تلك المغارة، كانت تلك مقاومة لقواعد اللغة – تحويل الأفعال إلى أسماء والعكس بالعكس.

19

المصادر والمراجع

  1. درويش، محمود. ديوان محمود درويش. بيروت: دار العودة، 1994.

درويش، م. (2009) «هدير الصمت»، نهر يموت من العطش، بيروت: منشورات مكتبة الساقي.

دونيس, علي أحمد سعيد, «في قصيدة النثر», مجلة شعر, عدد14, 1960.

درويش، محمود. أثر الفراشة : يوميات. بيروت: رياض الريس، 2008.

20

21
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content