كان في بغداد رجل أسمه أبو القاسم الطنبوري، وكان له مداس، وهو يلبسه منذ عشر سنين، وكان كلما تقطع منه موضع جعل مكانة رقعة إلى أن صار في غاية الثقل، وصار الناس يضربون به المثل.
فاتفق أنه دخل يوماً سوق الزجاج، فقال له سمسار: يا أبا القاسم؛ قد قدم إلينا اليوم تاجر من حلب،ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد، فاشتره منه، وأنا أبيعه لك بعد هذه المدة؛ فتكسب به المثل مثلين!فمضى واشتراه بستين ديناراً
3
ثم إنه دخل إلى سوق العطارين؛ فصادفه سمسار آخر، وقال له: يا أبا القاسم؛ قد قدم إلينا اليوم من نصيبين تاجر، ومعه ماء ورد، ولعجلة سفره، يمكن أن تشتريه منه رخيصا، وأنا أبيعه لك فيما بعد،بأقرب مدة؛ فتكسب به المثل مثلين!فمضى أبو القاسم، واشتراه أيضا بستين ديناراً أخرى، وملأ به الزجاج المذهب وحمله، وجاء به فوضعه على رف من رفوف بيته في الصدر!ثم إن أبا القاسم دخل الحمام يغتسل؛ فقال له بعض أصدقائه: يا أبا القاسم؛اشتهي أن تغير مداسك هذا! فإنه في غاية الشناعة! وأنت ذو مال بحمد الله! فقال له أبو القاسم: الحق معك؛ فالسمع والطاعة.
5
ثم إنه خرج من الحمام، ولبس ثيابه، فرأى بجانب مداسه مداساً آخر جديداً؛ فظن أن الرجل من كرمه أشتراه له؛ فلبسه، ومضى إلى بيته!وكان ذلك المداس الجديد للقاضي، وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام، ووضع مداسه هناك، ودخل يستحم!فلما خرج فتش عن مداسه؛ فلم يجده؛ فقال: أمن لبس حذائي لم يترك عوضه شيئاً؟ ففتشوا؛ فلم يجدوا سوى مداس أبو القاسم! فعرفوه؛ لأنه كان يضرب به المثل!فأرسل القاضي خدمه؛ فكبسوا بيته فوجدوا مداس القاضي عنده؛ فأحضره القاضي، وضربه تأديباًله، وحبسه مدة، غرمه بعض المال وأطلقه!
7
بعد أن خرج أبو القاسم من السجن حمل حذاءه وهو غضبان عليه، فذهب به إلى نهر دجلة، وألقاه فيه، فغاص في الماء، وعندما كان بعض الصيادين يصيدون في نهر دجلة، رمى أحد الصيادين شباكه فخرج فيه الحذاء، فلما رآه عرفه، وقال: هذاء حذاء الطنبوري، لا بدّ أنه وقع منه في النهر، فأخذه وذهب به إلى منزل الطنبوري، فقرع الباب، ولكنه لم يجد أحد، فرأى نافذة مفتوحةً، فرمى الحذاء منها، فوقع على الرف الذي فيه الزجاج وماء الورد، فتكسر الزجاج، وانسكب ماء الورد.
9
عاد أبو القاسم إلى منزله فعرف الأمر، وبدأ يلطم على وجهه، ويبكي، ويصيح: وافقراه، أفقرني هذا الحذاء الملعون، فذهب في الليل وحفر حفرةً لكي يدفن الحذاء فيها، فسمع الجيران صوت الحفر، فاعتقدوا أن أحداً ينقب عليهم، فشكوه إلى الحاكم، فأمر بإحضار الطنبوري، فأنكر التهمة، ولكن الحاكم سجنه، وغرمه بعض المال
11
وبعد أن خرج من السجن، حمل الحذاء إلى كنيف الخان، وألقاه فيه، فسد قصبة الكنيف، وغضب الناس من الرائحة الكريهة، فبحثوا عن السبب فوجدوا حذاءً يسد القصبة، فعرفوه، فأخذوه إلى الوالي في المدينة، وأخبروه بالقصة، فأمر القاضي بإحضار الطنبوري، فسجن، وغرمه بعض الأموال.
13
بعد أن خرج أبو القاسم من السجن حمل الحذاء معه، وهو غضبان منه، فقال: والله ما عدت أفارق هذا الحذاء، فغسله، ونظفه، ووضعه على سطح منزله حتى يجف، فرآه كلب وظنه دميةً، فحمله، وبينما هو يعبر به من سطح إلى آخر وقع الحذاء على رأس رجل فجرحه جرحاً عميقاً، فبحثوا لمن الحذاء فعرفو أنه للطنبوري، فرفع الرجل الأمر لقاضي المدينة، فأمر بإحضار الطنبوري، وحكم عليه بالسجن، ودفع الغرامة، فلم يبقَ لديه من المال شيئاً.
15
أخذ أبو القاسم الحذاء وذهب به إلى القاضي، وقال له: أريد أن يكتب القاضي بيني وبين هذا الحذاء مبارأة شرعية على أنه ليس مني، وأنا لست منه، ومهما يفعل هذا الحذاء فلا أؤخذ به أنا، وأخبر الجميع بما جرى، فضحك القاضي وجميع الحضور.
17
Published: Aug 8, 2021
Latest Revision: Aug 8, 2021
Ourboox Unique Identifier: OB-1193541
Copyright © 2021