ولد سعيد حورانية في دمشق عام 1929 وتلقى تعليمه فيها، وتخرج في جامعتها مجازاً
في األدب العربي ثم نال دبلوم التربية، وعمل في التدريس في سورية ولبنان، وأقام فترة
طويلة في موسكو من مطلع الستينيات حتى عام 1974 ،ثم عاد إلى وطنه، واشتغل في
وزارة الثقافة حتى وافته المنية عام 1994 .من مجموعاته القصصية: وفي الناس المسرَة –
شتاء قاسٍ آخر – سنتان وتحترق الغابة.
أخي رفيق:
قصَة قصيرة تتناول العالقة بين األخوين سعيد )الراوي( ورفيق األخ ذي الخمسة عشرة
سنة، والذي يُعتبر القدوة له. فسعيد معجب بأناقة أخيه ويحاول تقليده: ” كان شابًا في
الخامسة عشرة تعجبني أناقته وبريق شعره. وكنت أقف ساعات أمام المرآة أحاول أن
أقلده…”. إذن، هي عالقة إعجاب باألخ األكبر ومحاولة االحتذاء به تُعرض لنا في مُستَهَلّ
القصة. واإلعجاب ال يتوقف عند المظهر بل يتجاوزه إلى التصرفات واألغراض الخاصة
والمالبس: “ووقع نظري على برميل )البريل كريم( وفكرت أنه بقي لي اآلن، ال ينازعني فيه
منازع، وكذلك أدوات الزينة التي كانت ألخي أصبحت لي اآلن، وبذلته الفخمة سأصغرها
وأفصلها جميعًا لي..”. لرفيق جاذبية خاصة استحوذت على األخ الصغير –سعيد- استحواذ
وصل حتى العبادة: ” في مثل هذا الوقت من كل مساء كان يأتي إلى غرفتي فيدخن سيجارة
وهو يتحدث مع أخي عادل في السياسة واألدب والسينما والممثالت، وأنا أجلس مبهورًا أنظر
إليه وإلى شعره الالمع وقسماته النبيلة وأعبده بصمت…”.
في القصة تبدو سذاجة األطفال جليَة من خالل تصرفات سعيد عند موت أخيه. وتتضح
أكثر في تساؤالته عن معنى مات، والشعور بالزهو ألنه كان محط أنظار الجميع: ” مات
أخي… ما معنى مات… وكان الناس جميعهم ينظرون إليّ بعطف ورثاء مما أثار فيَ االرتباك
المشوب بالزهو؛ وكنت أهم إذا ما رأيتُ رجال يحفل بي أمسكه من تالبيبه وأقول له: أخي
مات، اختنق… في بركة العرقسوس… واهلل مات، أخرجته اإلطفائية”. فهو في البداية لم
يدرك األمر بل شعر بلذة عندما غمرته والدته بشدة وتمنى أن يبقى على صدرها إلى األبد. أما
بكاؤه فكان نتيجة بكاء من حوله: “وغرقت في الجو حولي فبكيت طويال دون أن أحس بشيء
من الحزن. بكيت ألن أمي تبكي وألن الجو حولي كله صراخ وعويل…”. حتى إنه بلل يديه
بريقه وفرك عينيه لتحمرا داللة على شدة حزنه ليُظهر لمن حوله شدة حزنه كمن يبكون
بصدق حوله واستجداء لعطف مشاهديه: ” وكنت أذهب إلى باب البيت الكبير فأرى األوالد
مجتمعين فيرمقونني بنظرة عطف وإكبار وتهيُب، وهم يرون عيوني المحمرة ودموعي
المنسابة..”. “… رأيت إحدى قريباتي قد أمسكَت بفنجان فيه ماء، وأخذت تصبّ قطرات في
عينيها حتى تظهر وكأنها تبكي حقًا. ولما رأتني نظرت إلى برعب ثم هربت، فنظرت حولي
بحذر ثم فعلت مثلها. ولم أكتفِ بذلك بل بللت يديّ بريقي وصرت أفرك عينيّ حتى احمرتا
تماما فرجعت مزهوًا إلى المناحة”.
لقد مات رفيق. مات غرقًا في بركة العرقسوس التي ذهب ليسبح بها هو ورفاقه وكان
على وشك أن يرافقه سعيد لوال أن منعته أمهما ألنها كانت على موعد مع أم تحسين الشيخة
التي عملت حجابا لوقاية سعيد من نزيف الدم الدائم الذي يعانيه. ولمواساة سعيد وعده رفيق
بأن يجلب له القرعون: ” ونظر إليّ أخي نظرة عطف وهو يحمل بيده المؤونة ثمّ قال بهمس:
اسكت.. سأحمل لك معي كثيرًا من القرعون. ثمّ خرج وأمي تراقبني حتى ال ألحقه”.
ولكن هل يفي رفيق بوعده؟ نعم؛ فسعيد يرى جيب بذلة رفيق التي كان يلبسها منتفخة،
فيتفحصها وإذ بيده تغرق في القرعون. وهنا يكتسب القرعون أهمية في أحداث القصة. فقبل
ذلك لم يَعِ سعيد ما معنى الموت. ما معنى أن يذهب رفيق دون رجعة. ما معنى حزن الجميع
وبكائهم. لقد تذكر رفيق سعيدًا قبل موته. وبدأ ينتظر دخوله الغرفة كعادته ليجالس أخيه عادل
ويتحادثا، وليسأله عن مدرسته… ولكن رفيق رحل. وعندها شعر سعيد بالحزن ألول مرة؛
وألول مرة بكى أخاه بصدق: ” ألول مرة شعرت فجأة بحزن شديد، ففهمت بكاء أمي
وإخوتي. وألول مرة أيضًا طمرت رأسي باللحاف وأخذت أبكي بصدق وعنف حتى انطفأت
النجوم”.
يبرز في القصة موقفان مختلفان من موت رفيق، وهما موقف األم وموقف األب. فاألم
المفجوعة لفقدها ابنها تنوح متمنية لو أنها هي من مات ال ابنها. ويظهر ذلك جليًا في
معارضتها لقدر ابنها إذ تقول: ” اهلل ال يأخذ إال الطيبين الممتازين”. وقولها: ” نهلك بالولد
ونتعب به ونضع له دم قلوبنا ونفرش له ريف عيوننا فإذا كبر وصار… قصف اهلل عمره. هذا
ظلم.. هذا…”. وقولها: ” يا ليتني أموت اآلن وألحقك وأتخلص من الدنيا الملعونة هذه”. بل
وتصر على االحتفاظ بكل أغراضه وحاجياته في خزانة خاصة لتشمّ رائحته كل يوم.
أما الاب فيظهر رجال مؤمنًا بقضاء اهلل وقدره في موت ابنه، ال يعترض على مصيره،
بل ويحاول منع اآلخرين من التفكير بغير ذلك مستعينًا باإليمان وبالعبارات الدينية التي تعكس
التسليم لقضاء اهلل الذي ال رادَ له: “فقال أبي بصوت متهدج وهو يرفع يده كمن يستسلم
للقدر: منيته يا ابني منيته… ال تقل من هذه الناحية أو من تلك الناحية…”… “وقال أبي مرة
ثانية بصوت متهدج: حكم اهلل وال رادّ لقضائه: قل لن يصيبنا إال ما كتب اهلل لنا هو موالنا
وعلى اهلل فليتوكل المؤمنون”….”فقال أبي غاضبًا: يا أم توفيق استغفري ربك، اللهمّ ال
اعتراض على حكمك.” ….”فقال أبي كمن يتضعضع: صلي بالنبي يا أم توفيق. هذا حال
الدنيا… إن اهلل مع الصابرين”.
يُالحظ في النص كثرة استخدام الفعل الماضي للداللة على حالة االستذكار التي يعيشها
الراوي، فهو دائم الرجوع بذاكرته للماضي لتذكُر رفيق وحضوره الذي يفتقده؛ كيف ال وهو
المثل والقدوة وهو من وصل إعجاب أخيه به حدَ العبادة، وللداللة على أن رفيقًا ما عاد
موجودًا وأن كل ما كان قد كان.
طلابي الاحباء سيتم وضع المهمة البيتية بالموقع تحت عنوان الدرس الثاني، مهام بيتية
طلابي بامكانكم تشغيل الفيديو ومشاهدة شرح وافي عن قصة اخي رفيق
Published: Jan 16, 2021
Latest Revision: Dec 26, 2022
Ourboox Unique Identifier: OB-1007014
Copyright © 2021