نظرة

by Khitam

Artwork: يوسف ادريس

This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

نظرة

by

Artwork: يوسف ادريس

  • Joined Dec 2020
  • Published Books 2
نظرة by Khitam - Illustrated by يوسف ادريس - Ourboox.com
” نظرة “

 

 

كان غربيا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله ، وكان ما تحمله معقدا حقا ؛ ففوق رأسها تستقر ” صينية بطاطس بالفرن ” وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة ، وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتى أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط .

 

ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيرى ، وأسرعت ُ لإنقاذ الحمل . و تلمست ُ سبلا كثيرة و أنا أسوي الصينية فيميل الحوض ، و أعدل من وضع الصاج فتميل الصينية ، ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي . ولكنني نجحت أخيرا في تثبيت الحمل ، وزيادة في الاطمئنان نصحتــُها أن تعود إلى الفرن ،وكان قريبا ،حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه . ولست أدري ما دار في رأسها ، فما كنت ُ أرى لها رأسا وقد حجبه الحــِمـْـلُ . كل ما حدث أنها انتظرت ْ قليلا لتتأكد َ من قبضتـِها ، ثم مضت ْ وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة “ستّي” و لم أحوّلُ عيني ّ عنها ، وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات ، و لا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش الذي ينظف بها الفرن ، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين .

 

وراقبتـــُها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض ، وتهتز وهي تتحرك ، ثم تـنـظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها ، وتخطو خطوات ثابتة قليلة ، وقد تتمايل بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.

 

راقبتـــُها طويلا حتى امتصتني كل دَقـِيْقـَة من حركاتها، فقد كنتُ أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة ، وأخيرا استطاعتْ الخادمةُ الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.

واستأنفت ْسيرها على الجانب الآخر، و قبل أن تختفي شاهدتــُها تتوقف ولا تتحرك ،وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها ، وحين وصلتُ كان كل شيء على ما يرام ، والحوض والصينية في أتم اعتدال 

أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج ، ووجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها وأكبر منها،وهم يهللون ويصرخون ويضحكون .

3
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content