بعد وقوع غزوة بدر والتي حدثت قبل عام واحد من غزوة أحد والتي كانت نتيجتها انتصار المسلمين انتصاراً كبيراً، نتيجةً لذلك ازادت قوة المسلمين وقويت شوكتهم، فقد سيطروا على المنطقة بكاملها، وخاصّةً على طريق قريش التجاري الواصل إلى بلاد الشام فقد شكّلوا تهديدًا لوجودهم في منطقة بلاد الشام بكاملها لأنّ اقتصاد قريش كان يعتمد بشكلٍ كبير على رحلتي الشتاء والصيف؛ حيث كانت تعتمد على السلع في اليمن وفي بلاد الشام، فأرادات قريش أن تنتقم من المسلمين قبل أن تقوى شوكتهم بعد أن أصبحوا خطراً على تجارتهم وعلى وجودهم في بلاد الشام.
2
غزوة أحد تعتبر غزو أحد ثاني أكبر غزوة خاضها المسلمون، وهي غزوة وقعت في اليوم السابع عشر من شهر شوال للعام الثالث للهجرة أي بعد عام واحد بعد غزوة بدر بين المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش بقيادة أبي سفيان بن حرب، وسمّيت غزوة أحد بهذا الاسم نسبةً إلى جبل أحد وهو أحد الجبال القريبة من المدينة المنورة حيث وقعت الغزوة في إحدى المناطق الجنوبية منه.
4
وعلى أثر غزوة بدر اتفقت قريش على أن تقوم بحرب شاملة ضد المسلمين تشفي غيظها وتروي غلة حقدها ، وأخذت في الاستعداد للخوض في مثل هذه المعركة .
وكان عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وأبو سفيان بن حرب ، وعبد الله بن أبي ربيعة أكثر زعماء قريش نشاطاً وتحمساً لخوض المعركة .
وأول ما فعلوه بهذا الصدد أنهم احتجزوا العير التي كان قد نجا بها أبو سفيان ، والتي كانت سبباً لمعركة بدر ، وقالوا للذين كانت فيها أموالهم : يا معشر قريش ، إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه ، لعلنا أن ندرك منه ثأراً ، فأجابوا لذلك ، فباعوها ، وكانت ألف بعير ، والمال خمسين ألف دينار ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ”إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ” “ [الأنفال: 36]
6
تحرك الجيش المكي بعد هذا الإعداد التام نحو المدينة ، وكانت الثارات القديمة والغيظ الكامن يشعل البغضاء في القلوب ، ويشف عما سوف يقع من قتال مرير .
الاستخبارات النبوية تكشف حركة العدو
وكان العباس بن عبد المطلب يرقب حركات قريش واستعداداتها العسكرية ، فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) ضمنها جميع تفاصيل الجيش .
وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة ، وجد في السير حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة ـ التي تبلغ مسافتها إلى نحو خمسمائة كيلو متراً ـ في ثلاثة أيام ، وسلم الرسالة إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو في مسجد قباء .
قرأ الرسالة على النبي(صلى الله عليه وسلم) أبي بن كعب ، فأمره بالكتمان ، وعاد مسرعاً إلى المدينة ، وتبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار
7
شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في لقائهم، فأشار عليه عدد منهم بالخروج لقتالهم، بينما أشار عليه بعضهم بالتحصّن في المدينة، إلا أنّ الغالبية تحمست لفكرة الخروج لملاقاتهم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم الجمعة، وخرج بألف مقاتل، علماً بأنّ زعيم المنافين عبد الله بن أبي بن سلول مكر وعاد من منتصف الطريق بثلاثمائة مقاتل، وبقي سبعمائة مقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نزل الشِّعب من أُحد في عدوة الوادي إلى الجبل، وجعل ظهرَه وعسكره إلى أُحد، وأمر بعدم القتال حتى يأمرهم، ثم أشار على الرماة عبدَ الله بن جُبيرٍ، وعددهم خمسُين رجُلًا، فقال: (انضَحوا الخيلَ عنَّا بالنَبلِ، لا يَأتونا مِن خلفِنا ! إن كانَت الدَّائرةُ لَنا أو علَينا فالزَموا أماكنَكم، لا تُؤتينَّ مِن قِبلِكم وفي روايةٍ قال لهم: احموا ظُهورَنا، إن رأيتُمونا نُقتَلُ فلا تنصُرُونا، وإن رأيتُمونا نَغنمُ فلا تَشرَكونا)[فقه السيره]، ولبس النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام درعين في هذه المعركة.
8
كانت خطّة المسلمين تقتضي بتعيين جماعة لحراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ( سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير)، وكذلك فقد تمّ تعيين عدد آخر من الصحابة لحراسة مداخل المدينة المنورة وأسوارها، وكانت خطّتهم أيضاً تقضي بجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمامه وجبل أحد خلفه، وتمّ وضع خمسين من رماة المسلمين على هضبة عالية من الجبل، فقد تم تعيين عبد الله بن جبير قائداً عليهم، وأمرهم الرسول عليه السلام بالبقاء في مكانهم وأن لا يتحرّكوا مهما يحدث في الغزوة وعدم مغادرة أماكنهم إلا بإذنه، وتمّ تقسيم جيش المسلمين إالى عدة أقسام واستلم عليه الصلاة والسلام قيادة المقدمة.
10
التقى الفريقان عند جبل أحد، وحقّق المسلمون نصراً واضحاً في بداية المعركة؛ فبدأ المشركون بالتراجع، ولمّا شاهد الرماة ذلك نزلوا عن جبل أحد، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم قد أمرهم بالوقوف عليه لحماية ظهور المجاهدين، إلّا أنّهم خالفوا أمره اعتقاداً منهم أنّ المعركة قد انتهت؛ ممّا دفع مجموعة من فرسان قريش للالتفاف بقيادة خالد بن الوليد، ثمّ مباغتة المسلمين من الخلف؛ مما بدّل موازين المعركة؛ فقد تطاول المشركون على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحاولوا قتله، إلّا أنّ عدداً من الصحابة دافعوا عنه ببسالة وقدّموا التضحيات في سبيل حمايته.
12
خسر المسلمون في غزوة أحد، واستشهد منهم سبعون رجلاً، وقد كانت هذه المعركة بمثابة ابتلاء للمسلمين وتمحيصاً لهم؛ فقد كشفت عن العديد من المنافقين، كما انتشر فيها خبر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، مما هيّأ نفوس المسلمين لاستقبال خبر وفاة الرسول لاحقاً. أمّا الآثار السياسية فتمّثلت في أنّ اليهود استغلّت هذه الخسارة لنشر الفتن والخلافات في المدينة، كما أنّ الكثير من قبائل البدو حول المدينة اعتقدوا أنّ بإمكانهم قتال المسلمين الآن؛ بما أنّ ميزان القوّة قد اختلف، وضعفت شوكة المسلمين بنظرهم.
13
14
Published: Jan 23, 2018
Latest Revision: Jan 23, 2018
Ourboox Unique Identifier: OB-414810
Copyright © 2018