حمّال الهمومِ
الإنسانُ بفطرتِه ميّال إلى العيشِ في جماعةٍ، فهو اجتماعيّ بطبعِه، ولا يجزعُ من المجتمعِ، ويتباعد عنهُ إلّا الذي أصابه مرض نفسي، أو الذي أضر بالمجتمعِ فخافَ من عقابِه، وابسط المجتمعات الإنسانية هي الأسرة؛ التي وجد الانسان نفسه فيها منذ فجر التاريخ ياخذ منها العون، وياخذ أسباب الحياة وتّتّسع حلقاتُ المجتمعِ لتشملَ القبيلةَ، او القرية، او المدينة، وفيها مجتمع المدرسة؛ التي فيها الصف، وجماعة النشاط ثم تتسع حلقات المجتمع لتشمل الدولة، والأمة، والإنسانية
وفي كل مجتمع خارج الأُسرة في المدرسة، أو العمل ينساق الأِنسان، أو ينقاد إلى البحث عن علاقات، وروابط أفراد يثق بهم، ويثقون به يشاركهم في جزء من حياته، ويقاسمهم أفراحهم، وأتراحهم ويأنس اليهم، وتطمئن بهم نفسه، ويكونون عونا له في ما يعترضه من عقبات هؤلاء هم الاصدقاء، وهم الذين عناهم المثل العربي القائل رب اخ لم تلده امك
ومن لطائف ما سمعت في هذا الشأن ان أحد علماء علم الأنسان( الانثربولوجيا) الغربيين عاش مدة مع احدى القبائل في غابات أمريكا الجنوبية ضمن أطار أبحاثه، وبحث -في ما بحث- لغتهم، وخصائصها، وفي احدى المراحل الاولى من مراحل بحثه في لغتهم استرعى انتباهه أن لغة ابناء تلك القبيلة لا تتضمن كلمة (صديق) فخامره ظن اتهمي استعلائي ملخصه أن هؤلاء قوم بدائيون متخلفون لا يعرفون الصداقة نفسها، ولا يمارسون هات لكن فيما بعد اعتراه خجل عظيم جين تكشّف له أن هؤلاء( البدائيين المتخلفين) لا يعبرون عن الصديق باسم مفرد واحد في لغتهم (كما في اللغات التي نعرفها) بل يعبرون عنه بتعبير مكون من بضع كلمات، وترجمة هذه الكلمات إلى العربية ( الشخص الذي يحمل همومي عن كتفيه)!
على الصدييق أن يحافظ على صديقه، وأن يحافظ على صداقته، وذلك بالوقوف الى جانبه بالسراء، والضراء، وصيانته في أهله، وعرضه، ونصرته في كل حال، والصديق الأمين في صداقته الوفي في علاقته بصديقه من واجبه الابتعاد عن تجريحه اذا أخطأ أو اقترف ذنبا، وتجنب تأنيبه، والإلحاح في عتابه، وقد ينفع النصح، والارشاد في هذا الموقف لأنهما يبقيانم على الصداقة فلا ينفر الصديق، ولا يشعر بالأذى، ولا تتفكك الصداقة في هذا الشأن كان الشاعر العباسي بشّار بن برد قد قال: “إذا كنت في كل الامور معاتبا ***صديقك لم تلق الذي تعاتبه”.
وما دام الانسان مخلوقا في طبيعته النقص فلن يبلغ الكمال، وليس في ذلك عيب بل العيب في عدم السعي الى الكمال، وفي الرضا بالنقص، والأطمئنان إليه، والصديق إنسان. انسان يصيب، ويخطئ فهو إذا أصاب شجعانه، واذا أخطأ بيّنا له الخطأ ونصحناه دون الإخلال بالصداقة، ونحن لا نتخلى عن الصديق إلا إذا أصر على الخطأ حينئذ يصبح الخطأ خُلُقًا فيه وسلوكًا وهذا يتنافى مع خُلقِ المرء الصالحِ.
Published: May 16, 2017
Latest Revision: May 16, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-313352
Copyright © 2017