أدولف هتلر
ولد أدولف هتلر في 20 أبريل 1889 في برونو بالإمبراطورية النمساوية المجرية.[10] كان هتلر الابن الرابع من أصل ستة أبناء أما والده فهو ألويس هتلر (1837 – 1903) الذي كان يعمل موظفًا في الجمارك وكانت والدته كلارا هتلر (1860 -1907) هي الزوجة الثالثة لوالده, ونظرًا لأن الهوية الحقيقة لوالد ألويس شكلت سرًا غامضًا في تاريخ الرايخ الثالث، كان من المستحيل تحديد العلاقة البيولوجية الحقيقية التي كانت تربط بين ألويس وكلارا؛ وهو الأمر الذي استدعى حصولهما على إعفاء بابوي لإتمام زواجهما. ومن بين الأبناء الستة وهم ثمرة زواج ألويس وكلارا لم يصل إلى مرحلة المراهقة سوى أدولف وشقيقته باولا التي كانت أصغر منه بسبع سنوات. وكان لألويس ابن آخر اسمه ألويس هتلر الابن وابنة اسمها انجيلا من زوجته الثانية.[11]
عاش هتلر طفولة مضطربة حيث كان أبوه عنيفًا في معاملته له ولأمه حتى إن هتلر نفسه صرح إنه في صباه كان يتعرض عادة للضرب من قبل أبيه. وبعدها بسنوات تحدث هتلر إلى مدير أعماله قائلاً: “عقدت – حينئذ – العزم على ألا أبكي مرة أخرى عندما ينهال علي والدي بالسوط. وبعد ذلك بأيام سنحت لي الفرصة كي أضع إرادتي موضع الاختبار. أما والدتي فقد وقفت في رعب تحتمي وراء الباب. أما أنا فأخذت أحصي في صمت عدد الضربات التي كانت تنهال علي مؤخرتي.” [12] ويعتقد المؤرخون أن تاريخ العنف العائلي الذي مارسه والد هتلر ضد والدته قد تمت الإشارة إليه في جزء من أجزاء كتابه كفاحي والذي وصف فيه هتلر وصفًا تفصيليًا واقعة عنف عائلي ارتكبها أحد الأزواج ضد زوجته. وتفسر هذه الواقعة بالإضافة إلى وقائع الضرب التي كان يقوم بها والده ضده سبب الارتباط العاطفي العميق بين هتلر ووالدته في الوقت الذي كان يشعر فيه بالاستياء الشديد من والده.
غالبًا ما كانت أسرة هتلر تنتقل من مكان لآخر حيث انتقلت من برونو آم إن إلى مدينة باسساو ومدينة لامباتش ومدينة ليوندينج بالقرب من مدينة لينز. وكان هتلر الطفل طالبًا متفوقًا في مدرسته الابتدائية، ولكنه رسب في الصف السادس، وهي سنته الأولى في المدرسة الثانوية عندما كان يعيش في لينز، وكان عليه أن يعيد هذه السنة الدراسية. وقال معلموه عنه إنه “لا يرغب في العمل”. ولمدة عام واحد كان هتلر في نفس الصف الدراسي مع لودفيج فيتجنشتاين ؛ الذي يعتبر واحدًا من أكثر الفلاسفة تأثيرًا في القرن العشرين.[13][14][15][16] وبالرغم من أن الولدين كانا في العمر نفسه تقريبًا، فقد كان فيتجنشتاين يسبق هتلر بصفين دراسيين.[17] ولم يتم التأكد من معرفة هتلر وفيتجنشتاين لبعضهما في ذلك الوقت، وكذلك من تذكر أحدهما للآخر.[18]
صرح هتلر معقباً على هذا أن تعثره التعليمي كان نابعًا من تمرده على أبيه الذي أراده أن يحذو حذوه ويكون موظفًا بالجمارك على الرغم من رغبة هتلر في أن يكون رسامًا. ويدعم هذا التفسير الذي قدمه هتلر ذلك الوصف الذي وصف به نفسه بعد ذلك بأنه فنان أساء من حوله فهمه. وبعد وفاة ألويس في الثالث من شهر يناير في عام 1903، لم يتحسن مستوى هتلر الدراسي. بل ترك هتلر المدرسة الثانوية في سن السادسة عشرة دون الحصول على شهادته.
وفي كتابه كفاحي أرجع هتلر تحوله إلى الإيمان بالقومية الألمانية إلى سنوات المراهقة الأولى التي قرأ فيها كتاب من كتب والده عن الحرب الفرنسية البروسية والذي جعله يتساءل حول الأسباب التي جعلت والده وغيره من الألمان ذوي الأصول النمساوية يفشلون في الدفاع عن ألمانيا أثناء الحرب.
الحرب العالميه الأولى
خدم هتلر في فرنسا وبلجيكا مع الفوج البافاري الاحتياطي السادس عشر؛ والذي عرف باسم فوج ليست؛ نسبةً إلى قائده الأول. وانتهت الحرب بتقلده رتبة جيفريتر (وهي رتبة تعادل وكيل عريف في الجيش البريطاني وجندي من الدرجة الأولى في الجيوش الأمريكية). عمل هتلر كرسول بين الجيوش؛ وهي واحدة من أخطر الوظائف على الجبهة الغربية، وكان معرضًا في أغلب الأحيان للإصابة بنيران العدو. كما اشترك في عدد من المعارك الرئيسية على الجبهة الغربية، وتضمنت هذه المعارك: معركة يبريس الأولى ومعركة السوم ومعركة آراس ومعركة باسكيندايلي.
ودارت معركة يبريس في أكتوبر من عام 1914 والتي شهدت مقتل حوالي 40,000 جندي خلال عشرين يومًا (وهو ما بين ثلث ونصف عدد الجنود المشاركين فيها). أما الكتيبة التي كان هتلر فرداً من أفرادها فقد تقلص عددها من مائتين وخمسين جندي إلى اثنين وأربعين جنديًا بحلول شهر ديسمبر. وكتب كاتب السير الذاتية جون كيجان أن هذه التجربة قد جعلت هتلر يتجه إلى الانعزال والانطواء على نفسه خلال السنوات الباقية للحرب.
وتقلد هتلر وسامين تقديرًا لشجاعته في الحرب. حيث تقلد وسام الصليب الحديدي من الدرجة الثانية في عام 1914، وتقلد أيضًا وسام الصليب الحديدي من الدرجة الأولى في عام 1918؛ وهو تكريم نادرًا ما يحصل عليه عسكري من رتبة جيفريتر. ومع ذلك، لم تتم ترقية هتلر إلى رتبة أونتيروفيزير (وهي رتبة تعادل العريف في الجيش البريطاني) نظرًا لكونه يفتقر إلى المهارات القيادية من وجهة نظر قادة الفوج الذي كان ينتمي إليه. ويقول بعض المؤرخون الآخرون أن السبب وراء عدم ترقيته يرجع إلى أنه لم يكن مواطناً ألمانياً. وكانت المهام التي كان هتلر يكلف بها في المقرات العسكرية محفوفة عادةً بالمخاطر، ولكنها سمحت له بمتابعة إنتاج أعماله الفنية. وقام هتلر برسم الصور الكاريكاتورية والرسومات التعليمية لإحدى الصحف التابعة للجيش. وفي عام 1916، أصيب هتلر بجرح إما في منطقة أصل الفخذ أو في فخذه الأيسر وذلك أثناء مشاركته في معركة السوم ولكنه عاد إلى الجبهة مرةً أخرى في مارس من عام 1917. وتسلم شارة الجرحى في وقت لاحق من نفس العام. وأشار سباستيان هافنر إلى تجربة هتلر على الجبهة موضحًا أنها سمحت له على أقل تقدير بفهم الحياة العسكرية.
وفي 15 أكتوبر 1918، دخل هتلر إحدى المستشفيات الميدانية على إثر إصابته بعمى مؤقت عقب تعرضه لهجوم بغاز الخردل. ويشير العالم النفسي الإنجليزي ديفيد لويس وكذلك بيرنارد هورسمتان إلى أن إصابة هتلر بالعمى قد تكون نتيجةً اضطراب تحولي (والذي كان معروفًا في ذلك الوقت باسمهيستريا). وعقب هتلر على هذه الواقعة فقال إنه أثناء هذه التجربة أصبح مقتنعًا أن سبب وجوده في الحياة هو “إنقاذ ألمانيا.” ويحاول بعض الدارسين – خاصةً لوسي دافيدوفيتش، أن يبرهنوا على أن نية هتلر لإبادة يهود أوروبا كانت تامة الرسوخ في ذهنه في ذلك الوقت على الرغم من عدم استقراره على الطريقة التي سيتمكن بها من تنفيذ هذا الأمر. ويعتقد معظم المؤرخين أنه اتخذ هذا القرار في عام 1941 بينما يعتقد البعض الآخر أنه قد عقد العزم عليه في وقت لاحق في عام 1942.
كان إعجاب هتلر بألمانيا قد سيطر عليه منذ زمن بعيد، وأثناء الحرب أصبح وطنيًا متحمسًا أشد الحماس للدفاع عن ألمانيا بالرغم من أنه لم يصبح مواطنًا ألمانيًا حتى عام 1932. ورأي هتلر أن الحرب هي “أعظم الخبرات التي يمكن أن يمر بها المرء في حياته”. وفي وقت لاحق، أشاد به عدد من قادته تقديرًا لشجاعته. وصدم هتلر من اتفاقية الاستسلام التي وقعتها ألمانيا في نوفمبر من عام 1918 على الرغم من سيطرة الجيش الألماني حتى ذلك الوقت على أراضِ للعدو. ومثله مثل العديد من المناصرين للقومية الألمانية، كان هتلر يؤمن بأسطورة الطعنة في الظهر (بالألمانية: Dolchstoßlegende) التي قالت بإن الجيش “الذي لم تتم هزيمته في ساحة المعركة” قد “تعرض لطعنة في الظهر” من قادة مدنين وماركسيين على الجبهة الداخلية. وقد عرف هؤلاءالسياسيين فيما بعد باسم مجرمي نوفمبر.
وحرمت معاهدة فرساي ألمانيا من مناطق عديدة كانت تابعة لها، وجردت منطقة رينهارد من الصفة العسكرية التي كانت تتمتع بها، كما فرضت عقوبات اقتصادية مدمرة أخرى على ألمانيا. وأعادت المعاهدة الوجود لدولة بولندا من جديد؛ وهو الأمر الذي اعتبره لألمان – حتى المعتدلين منهم – نوعًا من أنواع الإهانة. وحملت المعاهدة ألمانيا مسئولية كل فظائع الحرب، وهو الأمر الذي ينظر إليه مؤرخون بارزون من أمثال: جون كيجان الآن باعتباره على أقل تقدير تطبيقًا للعدالة من وجهة نظر الطرف المنتصر؛ فقد طغت الصفة العسكرية على معظم الأمم الأوروبية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى بشكل متزايد وكانت هذه الأمم تتلهف للقتال. وكان إلقاء اللوم على ألمانيا هو الأساس لفرض إصلاحات على ألمانيا (وقد تم تعديل مقدار هذه الإصلاحات بشكل متكرر وفقًا للخطط المعروفة باسم خطة داوس، خطة يونج، وخطة هوفر. أما ألمانيا، فقد رأت أن المعاهدة وخاصةً البند رقم 2311 منها وبالتحديد الفقرة التي تتحدث عن مسئولية ألمانيا عما حدث في الحرب نوعًا من أنواع الإهانة. فعلى سبيل المثال، كان هناك تجريد كامل للقوات المسلحة الألمانية من صفتها العسكرية يسمح لها بالاحتفاظ بست بوارج فقط ويمنعها من الاحتفاظ بغواصات أو قوات جوية أو مركبات مدرعة أو جيش يفوق عدده مائة ألفًا من الجنود إلا تحت ظروف التجنيد الإجباري التي يمكن أن تفرضها الحرب. وكان لمعاهدة فرساي دورًا مهمًا في الظروف الاجتماعية والسياسية التي صادفها هتلر وأتباعه من النازيين أثناء سعيهم للفوز بالسلطة. ونظر هتلر وحزبه إلى توقيع “مجرمي نوفمبر” على المعاهدة كسبب يدعوهم إلى بناء ألمانيا من جديد بشكل لا يتكرر معه ما حدث مرةً أخرى. واستخدم هتلر مجرمي نوفمبر ككبش فداء على الرغم من الخيارات المحدودة للغاية والتي كانت متاحة أمام هؤلاء الساسة في مؤتمر باريس للسلام.
دخول هتلر الى عالم السياسه
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ظل هتلر في الجيش وعاد إلى ميونيخ حيث شارك في الجنازة العسكرية التي أقيمت لرئيس الوزراء البافاري الذي تم اغتياله كورت آيسنر؛ وذلك على خلاف تصريحاته التي أعلنها في وقت لاحق. وفي أعقاب قمع الجمهورية السوفيتية البافارية، شارك هتلر في حضور دورات “الفكر القومي” التي كان ينظمها قسم التعليم والدعاية التابع للجماعة البافارية التي كان يطلق عليها اسم رايخسفير في مركز القيادة الرئيسي الرابع تحت إشراف كابتن كارل ماير. وتم إلقاء اللوم على الشعب اليهودي الذي ينتشر أفراده في كل أنحاء العالم، وعلى الشيوعيين، وعلى رجال السياسة من كل الانتماءات الحزبية؛ خاصةً تحالف فايمار الائتلافي.
وفى يوليو عام 1919، تم تعيين هتلر في منصب جاسوس للشرطة، وكان يتبع قيادة الاستخبارات التي كانت تتبع قوات الدفاع الوطنية رايخسفير من أجل التأثير على الجنود الآخرين واختراق صفوف حزب صغير؛ وهو حزب العمال الألماني (DAP).وأثناء استكشافه للحزب، تأثر هتلر بأفكار مؤسس الحزب آنتون دريكسلر المعادية للسامية والقومية والمناهضة للرأسمالية والمعارضة لأفكارالماركسية. وكانت أفكاره تؤيد وجود حكومة قوية ونشيطة؛ وهي أفكار مستوحاة من الأفكار الاشتراكية “غير اليهودية” ومن الإيمان بضرورة وجود تكافل متبادل بين كل أفراد المجتمع. كما حازت مهارات هتلر الخطابية على إعجاب دريكسلر فدعاه إلى الانضمام للحزب ليصبح العضو الخامس والخمسين فيه. كما أصبح هتلر أيضًا العضو السابع في اللجنة التنفيذية التابعة للحزب. وبعد مرور عدة سنوات، أدعى هتلر إنه العضو السابع من الأعضاء المؤسسين للحزب.
كما التقى هتلر مع ديتريش إيكارت وهو واحد من المؤسسين الأوائل للحزب، كما كان عضوًا في الجمعية السرية المعروفة باسم “جمعية ثول”. وأصبح إيكارت المعلم الخاص بهتلر الذي يعلمه الطريقة التي يجب أن ينتقي بها ملابسه ويتحدث بها، كما قدمه إلى مجتمع واسع من الناس. ووجه هتلر عميق شكره إلى إيكارت عن طريق الثناء عليه في المجلد الثاني من كتابه المعروف باسم كفاحي. وفي محاولة لزيادة شعبية الحزب، قام الحزب بتغيير اسمه إلى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني.
وتم تسريح هتلر من الجيش في مارس، 1920، فبدأ مدعومًا بالتشجيع المستمر من أعضاء الحزب من ذوي المناصب الأعلى في المشاركة الكاملة في أنشطة الحزب. وفي بدايات عام 1921، بدأ هتلر يتمكن بشكل كامل من إجادة فن الخطابة أمام الحشود الكبيرة. وفي فبراير، تحدث هتلر أمام حشد يضم حوالي ستة آلاف فرد في ميونيخ. وللدعاية لهذا الاجتماع، أرسل هتلر شاحنتين محملتين بمؤيدي الحزب ليجوبوا الشوارع وهم يحملون الصليب المعقوف محدثين حالة من الفوضى وهم يلقون بالمنشورات صغيرة الحجم إلى الجماهير في أول تنفيذ للخطة التي قاموا بوضعها. انتشرت سمعة هتلر السيئة خارج الحزب نظرًا لشخصيته الفظة، وخطاباته الجدلية العنيفة المناهضة لمعاهدة فرساي والسياسيين المنافسين له (بما في ذلك أنصار الحكم الملكي والمنادين بفكرة القومية وغيرهم من الاشتراكيين غير المؤمنين بسياسة التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول؛ واشتهر بوجه خاص بخطاباته المناهضة للماركسيين ولليهود.
واتخذ حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني من ميونيخ مقرًا له. وكانت ميونيخ في ذلك الوقت أرضًا خصبة لمناصري القومية الألمانية الذين كان منهم ضباط من الجيش قد عقدوا العزم على سحق الماركسية وتقويض دعائم جمهورية فايمار (الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى1933 كنتيجة للحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب). وبمرور الوقت، لفت هتلر وحركته التي أخذت في النمو أنظار هؤلاء الضباط باعتبارها أداة مناسبة لتحقيق أهدافهم. وفي صيف عام 1921، سافر هتلر إلى برلين لزيارة بعض الجماعات التي كانت تنادي بالقومية. وفي فترة غيابه، كانت هناك حالة من التمرد بين قيادات حزب العمال الألماني في ميونيخ.
وتولت إدارة الحزب لجنة تنفيذية نظر أعضاؤها الأساسيون إلى هتلر باعتباره شخصية متغطرسة ومستبدة. وقام هؤلاء الأعضاء بتشكيل حلف مع مجموعة من الاشتراكيين في مدينة آوغسبورغ. وأسرع هتلر بالعودة إلى ميونيخ وحاول مقاومة الهجمة الشرسة عليه بتقديم استقالته رسميًا من الحزب في 11 يوليو في عام 1920. وعندما أدرك هؤلاء الأعضاء أن خسارتهم لهتلر ستعني عمليًا نهاية الحزب، انتهز هتلر الفرصة وأعلن عن إمكانية عودته إلى الحزب شريطة أن يحل محل دريكسلر في رئاسة الحزب متمتعًا بالنفوذ المطلق فيه. وحاول أعضاء الحزب الحانقين (بما فيهم دريكسلر) الدفاع عن مكانتهم في بداية الأمر. وفي ذلك الوقت، ظهر كتيب مجهول المصدر يحمل عنوان “أدولف هتلر: هل هو خائن؟” ليهاجم تعطش هتلر للاستيلاء على السلطة وينتقد زمرة الرجال الملتفين حوله والذين يتميزون بالعنف. وردًا على نشر هذا الكتيب عنه في صحيفة تصدر في ميونيخ، أقام هتلر دعوى قضائية بسبب التشهير، وحظى في وقت لاحق بتسوية بسيطة معهم.
وتراجعت اللجنة التنفيذية لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني عن موقفها في نهاية الأمر واعترفت بهزيمتها، وتم التصويت بين أعضاء الحزب بشأن الموافقة على مطالب هتلر. وحصل هتلر على موافقة خمسمائة وثلاثة وأربعين صوتًا من أصوات الأعضاء في مقابل الرفض من صوت واحد فقط. وفي الاجتماع التالي لأعضاء الحزب الذي عقد في التاسع والعشرين من يوليو، 1921، تم تقديم أدولف هتلر بصفته فوهرر لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني؛ وهي المرة الأولى التي تم فيها الإعلان عن هذا اللقب على الملأ.
وبدأت الخطب التي كان هتلر يلقيها في النوادي التي كان يجتمع فيها أفراد الشعب الألماني ليهاجم بها اليهود والديقراطيين الاشتراكيين والليبراليين وأنصار الحكم الملكي الرجعيين والرأسماليين والشيوعيين تؤتي ثمارهاالمرجوة وتجذب إليه المزيد من المؤيدين. وكان من مؤيدي هتلر الأوائل: رودلف هس، والطيار السابق في القوات الجوية هيرمان غورينغ وقائد الجيش ايرنست روم الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للمنظمة شبه العسكرية النازية المعروفة باسم SA (كتيبة العاصفة التي تولت حماية الاجتماعات والهجوم على خصومه السياسيين. وكوّن هتلر جماعات مستقلة مشابهة مثل: جبهة العمل الألمانية؛ والتي اتخذت من مدينة نورنبيرغ مقرًا لها. وكان يوليوس شترايشر رئيسًا لها، وشغل بعد ذلك منصب غوليتر، ويعني قائد الفرع الإقليمي لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني في منطقة فرنكونيا. علاوةً على ذلك، لفت هتلر أنظار أصحاب المصالح التجارية المحليين، وتم قبوله في الدوائر التي كانت تتضمن أصحاب النفوذ في مجتمع مدينة ميونيخ. كما اقترن اسمه باسم القائد العسكري الذي كان ذائعًا في فترة الحرب الجنرال ايريك لودندورف
إعادة بناء حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني
وفي الوقت الذي تم فيه إطلاق سراح هتلر، كان الموقف السياسي في ألمانيا قد بدأ يهدأ وأخذت الأحوال الاقتصادية في التحسن مما فرض قيودًا على فرص هتلر في الإثارة والتأليب. وبالرغم من أن انقلاب هتلر العسكري قد أكسبه بعض الشهرة على الصعيد القومي، فإن عماد الحزب الذي يترأسه هتلر ظل في مدينة ميونيخ.
وتم حظر نشاط حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني وأعضائه في بافاريا عقب فشل الانقلاب. وتمكن هتلر من إقناع هاينريش هيلد – رئيس وزراء بافاريا – بأن يرفع هذا الحظر مستندًا إلى مزاعمه التي أكد فيها على أن الحزب سيسعى الآن إلى الحصول على السلطة السياسية عبر القنوات الشرعية. وبالرغم من تفعيل رفع الحظر المفروض على حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني في 16 فبراير 1925، فإن هتلر قد جلب على نفسه حظرًا جديدًا نتيحةً لخطبة ملتهبة ألقاها تسببت في إثارة الشغب. ونظرًا لحرمانه من إلقاء الخطابات العامة، قام هتلر بتعيين جريجور شتراسر – الذي تم انتخابه في عام 1924 لعضوية الرايخستاج(البرلمان الألماني)- في منصب رئيس منظمة الرايخ، ومنحه سلطة تنظيم الحزب في شمال ألمانيا. وسلك شتراسر – بالإضافة إلى شقيقه الأصغر أوتو شتراسر وجوزيف جوبلز – مسلكًا بدأت استقلاليته في التزايد مع مرور الوقت ليؤكد بذلك على وجود العنصر الاشتراكي في برنامج الحزب. وأصبحت قيادة جبهة العمل الألمانية في فرعها الإقليمي في شمال غرب ألمانيا تشكل جبهة معارضة داخلية داخل الحزب لتهدد سلطة هتلر. ولكن، لحقت الهزيمة بهذه الزمرة المنشقة في مؤتمر بامبرج الذي عقد في عام 1926 والذي انضم جوبلز خلاله إلى هتلر.
وعقب هذا الصدام، زاد هتلر من مركزية سلطته في الحزب. وأكد على وجود منصب القائد الأساسي للحزب كمنصب يجعل منه المسؤول الأساسي عن تنظيم شئون الحزب. فلا يتم انتخاب القادة من قبل الجماعات التي يقومون بقيادتها، ولكن يقوم رؤساؤهم من ذوي المراكز الأعلى بتعيينهم ويكون لهم أيضًا الحق في مساءلتهم، بينما يتمتع هؤلاء القادة بالطاعة المطلقة ممن هم أقل منهم مركزًا. وتماشيًا مع ازدراء هتلر لفكرة الديمقراطية فقد جعل كل السلطة والنفوذ تنتقل من أعلى لأسفل.
وكان العامل الرئيسي في ازدياد شعبية هتلر بين الناس هو قدرته على استدعاء روح العزة الوطنية التي عرضتها معاهدة فيرساي للمهانة والتي فرضها الحلفاء الغربيون على الأمبراطورية الألمانية المهزومة. وخسرت ألمانيا جزءاً ذا أهمية اقتصادية من أراضيها في أوروبا إلى جانب مستعمراتها. واعترافًا منها بتحمل المسئولية الكاملة عن الحرب، وافقت على دفع مبلغًا ضخمًا يقدر إجماليًا بحوالي مائة واثنين وثلاثين مليار مارك ألماني من أجل إصلاحات الخسائر التي خلفتها الحرب. واستاء معظم الألمان في مرارة من بنود المعاهدة، ولكن كانت المحاولات السابقة التي قام بها النازيون للحصول على تأييد الشعب الألماني بإلقاء اللوم على “الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم” غير مقبولة بين جمهور الناخبين. وسرعان ما تعلم الحزب الدرس، فبدأ دعاية ماهرة تمزج بين معاداة السامية والهجوم على الأخطاء التي قام بها “نظام فايمار” والأحزاب السياسية الموالية له.
وبعد فشل الانقلاب الذي قاده هتلر للإطاحة بجمهورية فايمار، انتهج هتلر “استراتيجية الشرعية”: وهي تعني الامتثال الرسمي لمبادئ جمهورية فايمار حتى يتولى زمام الحكم بصفة قانونية. ومن ثم، يمكنه استغلال المؤسسات التابعة لجمهورية فايمار للتخلص من هذه الجمهورية وتنصيب نفسه ديكتاتوراً على البلاد. وقد عارض بعض أعضاء الحزب، لاسيما ممثلي كتيبة العاصفة شبه العسكرية، هذه الاستراتيجية التي انتهجها هتلر. وسخر روم وآخرون من هتلر وأطلقوا عليه اسم أدولف الشرعي.
الاقتصاد والثقافه
شرف هتلر على واحدة من أكبر التوسعات في مجال الإنتاج الصناعي والتطويرات المدنية التي شهدتها ألمانيا طوال تاريخها. وقد اعتمد في ذلك على أسلوب تعويم الديون وزيادة عدد أفراد القوات المسلحة. وشجعت السياسة النازية النساء على المكوث في المنزل لإنجاب الأطفال والعناية بالمنزل. وهكذا، تحدث أدولف هتلر في إحدى خطبه التي ألقاها في سبتمبر من عام 1943 أمام الرابطة الاشتراكية الوطنية للمرأة فقال إنه بالنسبة للمرأة الألمانية: “لا بد أن يتركز عالمها حول زوجها وعائلتها وأطفالها وبيتها”. وعزز هتلر الإيمان بهذه السياسة بمنحه صليب الشرف الخاص بتكريم الأم الألمانية (بالإنجليزية:Cross of Honor of the German Mother) لكل امرأة تلد أربعة من الأطفال أو أكثر. وفعليًا، تراجع معدل البطالة عن طريق عاملين أساسيين وهما: إنتاج الأسلحة وعودة النساء للمكوث في منازلهن حتى تتحن الفرصة للرجال للحصول على الوظائف التي كن يشغلنها. لذلك، كان الإدعاء الذي ساد في هذه الفترة بأن الاقتصاد الألماني استطاع أن يصل تقريبًا إلى العمالة الكاملة يرجع جزئيًا – وذلك على أقل تقدير – إلى الدعاية البارعة التي تم استخدامها في هذا العهد. وحصل هتلر على معظم التمويل الذي استخدمه في إعادة بناء البلاد وإعادة التسلح من سياسة التلاعب بالعملة للتأثير على الأسعار في الأسواق التجارية التي قام بها هيلمار شاخت؛ وهو رئيس البنك المركزي الألماني في هذا العهد والمسئول عن العملة. وتضمنت سياسة التلاعب إصدار سندات مشكوك في أمرها ومنها تلك التي كانت تعرف باسم “Mefo bills”، وهي سندات إضافة قامت حكومة النازي بإصدارها – بدءاً من عام 1934 وما بعده – تحت غطاء شركة “Metallurgische Forschung” وعرف اسمها اختصارًا باسم “MEFOO”.
كذلك، أشرف هتلر على واحدة من أكبر حملات تطوير البنية التحتية في التاريخ الألماني. واشتمل هذا التطوير على إنشاء العديد والعديد من السدود، والطرق السريعة التي تسير عليها المركبات، وطرق السكك الحديدية إلى جانب عدد آخر من الإنشاءات المدنية. وأكدت سياسات هتلر على أهمية الحياة الأسرية؛ وهي الحياة التي يسعى فيها الرجل وراء كسب لقمة العيش بينما تكون الأولوية في حياة المرأة لتربية الأطفال والعناية بشئون المنزل. وجاء هذا الانتعاش في مجالي الصناعة والبنية التحتية على حساب المستوى العام للمعيشة؛ على الأقل بالنسبة لمن لم يتأثروا بحالة البطالة المزمنة التي كانت تسيطر على البلاد أثناء عهد جمهورية فايمار السابقة (التي تم إعلانها عام 19199 في مدينة فايمر الألمانية)، وذلك لأن الأجور قد تم تخفيضها قليلاً في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية على الرغم من ارتفاع نفقات المعيشة بنسبة خمسة وعشرين بالمائة. وبالرغم من ذلك، فقد شعر العمال والفلاحون – وهي الفئات التي كانت تعطي أصواتها لصالح حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني – بطفرة في مستوى المعيشة الخاص بهم.
ووجهت حكومة هتلر رعايتها لفن العمارة على نطاق واسع، واشتهر ألبرت سبير بأنه المعماري الأول في حكومة الرايخ. ولا يفوق الشهرة التي اكتسبها سبير كمعماري قام بتنفيذ رؤية هتلر الكلاسيكية التي أعاد بها تفسير الحضارة الألمانية إلا دوره الفعال الذي قام به كوزير للتسلح والذخيرة في السنوات الأخيرة للحرب العالمية الثانية. وفي عام 1936، قامت برلين باستضافة دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية التي افتتحها هتلر بنفسه وتم وضع ألحانها بحيث تظهر تفوق الجنس الآري على كل الأجناس البشرية الأخرى، الأمر الذي جعل هذه الدورة تحقق نتائج مشوشة.
وبالرغم من أن هتلر كان قد خطط لإنشاء شبكة متكاملة من السكك الحديدية العريضة (بالألمانية: Breitspurbahn) فإن نشوب الحرب العالمية الثانية قد أدى إلى التراجع عن إتمام هذا المشروع العملاق. فلو كانت هذه الشبكة العريضة والمتكاملة من خطوط السكك الحديدية قد تم إنشائها بالفعل لكان عرضها سيصل إلى ثلاثة أمتار، وكانت بذلك ستفوق في اتساعها شبكة السكك الحديدية القديمة التي أنشأتها شركة Great Western Railway في المملكة المتحدة.
أسهم هتلر بشكل بسيط في تصميم السيارة التي تم إطلاق اسم فولكسفاجن بيتل عليها بعد ذلك. وقد عهد هتلر بمهمة تصميم السيارة وصناعتها إلى فرديناند بورش[40]. وقد تم إرجاء إنتاج هذه السيارة أيضًا بسبب نشوب الحرب.
اعتبر هتلر أن اسبرطة هي أولى الدول التي طبقت مبادئ الاشتراكية القومية، وامتدح السياسة التي انتهجتها مبكرًا من أجل تحسين النسل، والطريقة التي عاملت بها النسل المشوه من الأطفاء.
ويعتبر الخلاف حول مسألة “التحديث” الذي تبناه هتلر من أهم الموضوعات التي يثور حولها الجدال عند مناقشة السياسات الاقتصادية التي انتهجها هتلر. ويعتقد بعض المؤرخين مثل: دافيد شونباوم وهنري اشبي تيرنر أن السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تبناها هتلر كانت نوعًا من أنواع التحديث يراد به السعي وراء أهداف ضد الحداثة. وأكدت مجموعة أخرى من المؤرخين – خاصةً راينر تسيتلمان – على أن هتلر قد تعمد انتهاج سياسة تسعى وراء التحديث الثوري للمجتمع الألماني
انتصارات دبلوماسية مبكرة
التحالف مع اليابان
في فبراير 1938، أنهى هتلر أخيراً الأزمة التي أصابت السياسة الألمانية فيما يتعلق بالشرق الأقصى؛ والتي تتعلق بالاختيار بين الاستمرار في التحالف الصيني الألماني غير الرسمي والذي يرجع إلى عام 1911 أو الدخول في تحالف جديد مع اليابان. وفضل الجيش تماما في هذا الوقت استمرار ألمانيا في تحالفها مع الصين. وكان كل من وزير الخارجية،كونستنين فون نيورات، ووزير الحرب، فيرنر فون بلومبرج. الذين كان يطلق عليهما اسم “اللوبي الصيني” يؤيدان الصين، وحاولا توجيه السياسة الخارجية لألمانيا بعيدا عن الدخول في أي حروب في أوروبا. ولكن، قام هتلر بصرف الوزيرين من الخدمة في بدايات عام 1938. وبناءً على نصيحة وزير الخارجية الجديد الذي عينه هتلر جواشيم فون ريبنتروب، المؤيد لليابان بقوة، اختار هتلر إنهاء التحالف مع الصين في سبيل الفوز بتحالف مع اليابان الأكثر قوة وتحضرا. وفي إحدى خطبه أمام “الرايخستاج“، تحدث هتلر عن اعتراف ألمانيا بولاية مانشوكو؛ وكانت ولاية في منشوريا احتلتها اليابان وأصبح لها السيادة الاسمية عليها. وتخلى عن المطامع الألمانية في مستعمراتها السابقة في المحيط الهادي. وأمر هتلر بوقف إرسال شحنات الأسلحة إلى الصين إلى جانب استدعاء جميع الضباط الألمان المنضمين للجيش الصيني. وانتقامًا من ألمانيا لإنهاء دعمها للصين في حربها ضد اليابان، قام القائد العام الصيني شيانج كاي شيك، بإلغاء الاتفاقيات الاقتصادية بين الصين وألمانيا. وكان نتيجة ذلك أن حرمت ألمانيا من المواد الخام، مثل التنجستين الذي كانت تزودها به الصين في السابق. وأدى إنهاء التحالف الصيني الألماني إلى زيادة مشكلات ألمانيا المتعلقة بإعادة التسلح؛ حيث أن ألمانيا أصبحت الآن مضطرة إلى اللجوء إلى احتياطي العملة الأجنبية المحدود لشراء المواد الخام من السوق المفتوحة.
النمسا وتشيكوسلوفاكيا
في مارس من عام 1938، ضغط هتلر على النمسا من أجل ضمها لألمانيا (وأطلق على عملية الاندماج مع النمسا اسم آنشلوس) وبالفعل في 14 مارس من العام نفسه، دخل هتلر فيينا منتصرًا. وبعد ضم النمسا طالب هتلر بإقليم السوديت التابع لتشيكوسلوفاكيا والذي تقطنه أغلبية ألمانية[47].
والتقى السفير البريطاني نيفيل هندرسون بهتلر في 3 مارس 1938 نائبا عن حكومته ليتقدم باقتراح لإقامة اتحاد دولي يهدف إلى السيطرة على معظم القارة الأفريقية (على أن يكون لألمانيا دورًا قياديًا في هذا الأمر) في مقابل الحصول على وعد من ألمانيا بعدم اللجوء إلى الحرب لتغيير الحدود. إلا أن هتلر رفض عرض بريطانيا؛ حيث أنه كان مهتمًا بالتوسع في أوروبا الشرقية أكثر من اهتمامه بالدخول في اتحادات دولية. وبرر هتلر هذا الرفض برغبته في عودة المستعمرات الألمانية في أفريقيا إلى حكم ألمانيا النازية، لا أن يدخل في اتحاد دولي يحكم أفريقيا الوسطى. فضلاً عن ذلك، اعتبر هتلر إنه من الإهانة البالغة من قبل بريطانيا أن تملي شروطًا على ألمانيا تتعلق بكيفية إدارة شئونها في أوروبا في مقابل الحصول على منطقة في أفريقيا. وأنهى هتلر حديثه مع هندرسون قائلاً إنه على استعداد للانتظار عشرين عامًا قادمة لاستعادة المستعمرات الألمانية في أفريقيا على أن يقبل شروط بريطانيا الخاصة لتجنب الحرب
علاوةً على ذلك، عقد هتلر يومي 28 مارس و29 مارس عام 1938 سلسلة من الاجتماعات السرية في برلين مع كونراد هنلاين؛ قائد حزب الجبهة الداخلية (بالألمانية: Heimfront) وهو أكبر الأحزاب العرقية الألمانية في السوديت. وفي أثناء هذه الاجتماعات، تم الاتفاق على أن يقدم هنلاين ذريعة تغزو بها ألمانيا تشيكوسلوفاكيا وهي مطالبة الألمان في منطقة سوديتنلاند حكومة براج بحقهم في الحصول على الحكم الذاتي؛ وهو مطلب من غير المحتمل أن تقره الحكومة هناك. وفي أبريل من عام 1938، أخبر هنلاين وزير خارجية المجر أنه “مهما كانت عروض الحكومة التشيكية سخية، فإنه سيستمر في زيادة المطالب، لإفساد أية وسيلة للتفاهم لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتدمير تشيكوسلوفاكيا سريعًا”. وبشكل غير معلن، لم تكن قضية منطقة سوديتنلاند ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهتلر، بل إن نواياه الحقيقية كانت استغلال هذه القضية كوسيلة يبرر بها داخل البلاد وخارجها شن الحرب على تشيكوسلوفاكيا وتدميرها بدافع حق أهل هذه المنطقة في تقرير مصيرهم ورفض حكومة براج تلبية مطالب هنلاين. وخطط هتلر لضرورة وجود تعزيزات عسكرية ضخمة على الحدود التشيكية، ولشن هجمات دعائية ضارية تتحدث عن الاضطهاد الذي يلقاه الألمان في هذه المنطقة. وأخيرًا، لإلقاء الضوء على مجموعة من الحوادث بين نشطاء الجبهة الداخلية والسلطات التشيكية بغرض تبرير الغزو الذي سيجتاح تشيكوسلوفاكيا سريعًا في حملة تستغرق أيامًا قلائل قبل أن تتمكن القوى الأخرى من التدخل. وبما أن هتلر كان يرغب في جني أكبر قدر من الثمار وإكمال ما أطلق عليه اسم “الحائط الغربي” لحماية منطقة راينلاند، فقد اختار أن يتم الغزو في آخر سبتمبر أو في بدايات شهر أكتوبر من عام 1938.
أما في أبريل من عام 1938، فقد أمر هتلر القيادة العليا للقوات المسلحة بالتحضير لخطة للاستيلاء على تشيكوسلوفاكيا والتي أطلق عليها اسم الخطة الاستراتيجية لغزو تشيكوسلوفاكيا (بالألمانية: Fall Grün). وكانت أزمة مايو التي استمرت في الفترة ما بين التاسع عشر والثاني والعشرين من مايو في عام 1938 من العوامل التي أدت إلى زيادة التوتر فيأوروبا. وكانت أزمة مايو التي حدثت في عام 1938 عبارة عن إنذار كاذب أطلقته الشائعات المنذرة بتعرض تشيكوسلوفاكيا للغزو في نهاية الأسبوع الذي ستجرى فيه الانتخابات المحلية في البلاد وكذلك التقارير الخاطئة التي تحدثت عن تحركات خطيرة للجيوش الألمانية على طول الحدود التشيكية قبل إجراء الانتخابات مباشرة. ومن العوامل الأخرى التي أكدت على ذلك قتل الشرطة التشيكية لاثنين من الألمان العرقيين وتلميحات ريبنتروب التي تحمل معنى العنف لهندرسون عندما سأله الأخير عن مدى صحة الأخبار القائلة بوقوع غزو في نهاية الأسبوع. وقد أدى هذا الأمر إلى قيام تشيكوسلوفاكيا بالتعبئة الجزئية وإطلاق لندن تحذيرات صارمة من الغزو الألماني لتشيكوسلوفاكيا في نهاية الأسبوع، وذلك قبل أن تدرك عدم صحة هذه الشائعات وأنه لا وجود لأي غزو ألماني في نهاية هذا الأسبوع. وعلى الرغم من عدم التخطيط لأي غزو في مايو من عام 1938، فإن البعض في لندن كانوا يعتقدون بأن برلين تفكر في هذا الأمر حتمًا مما أدى إلى صدور إنذارين في يومي الحادي والعشرين والثاني والعشرين من شهر مارس مفادهما أن المملكة المتحدة على استعداد للدخول في حرب إلى جانب ألمانيا في حالة دخول فرنسا في حالة حرب ضد ألمانيا . ومن جانبه، استخدم هتلر كلمات أحد معاونيه من الضباط وعبر عن شعوره “بالغضب” العارم بسبب اضطراره للتراجع بعد عملية التعبئة التي قامت بها تشيكوسلوفاكيا وبعد تحذيرات كل من لندن وباريس على الرغم من أنه لم يخطط للغزو في نهاية هذا الأسبوع. وبالرغم من أن مسودة خطة الغزو كانت قد وضعت بالفعل في أبريل من عام 1938 لغزو تشيكوسلوفاكيا في المستقبل القريب، فإن أزمة مايو وفكرة الهزيمة الدبلوماسية قد زادتا من قناعة هتلر بصحة المسار الذي اختاره. ويبدو أن أزمة مايو قد أقنعت هتلر بصعوبة التوسع “دون مساندة بريطانيا”، وأن التوسع “ضد بريطانيا” كان النهج الوحيد القابل للتطبيق في ذلك الوقت. ومن النتائج المباشرة التي ترتبت على أزمة مايو أن هتلر قد أصدر أوامره بإسراع الخطى في صناعة البناء البحرية بصورة تفوق المنصوص عليه في المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا. وجاء لأول مرة في المذكرة المعروفة باسم “Heye memorandum” – والتي صدرت بناءً على أوامر من هتلر – أن الأسطول الملكي البريطاني هو العدو الرئيسي للقوات البحرية الألمانية.
فضلاً عن ذلك، أعلن هتلر في المؤتمر الذي أقيم في 28 مايو في 1938 أن قراره الخاص “بسحق تشيكوسلوفاكيا” بحلول الأول من أكتوبر من نفس العام “غير قابل للتغيير”. وكان تبريره لهذا الأمر هو أن هذه الطريقة هي التي سيؤمن بها الجناح الشرقي في الجيش “حتى يتمكن من الزحف نحو الغرب في إنجلترا وفرنسا“. وفي المؤتمر نفسه، أعرب هتلر عن اعتقاده الراسخ في أن بريطانيا لن تخاطر بشن حرب إلا بعد الانتهاء من عملية إعادة التسلح التي يعتقد هتلر أنها ستتم بين عامي 1941 و1942. كما ينبغي على ألمانيا أن تتخلص من فرنسا وحلفائها في أوروبا في الفترة ما بين الأعوام 1938 و1941، وهي الفترة التي ستكون فيها عملية إعادة التسلح الألمانية لا تزال قيد التنفيذ. وأدى إصرار هتلر الشديد على تنفيذ خطة “Fall Grün” في عام 1938 إلى إثارة أزمة خطيرة داخل الهيكل القيادي في ألمانيا . فقد احتج رئيس أركان الحرب، الجنرال لودفيج بيك، في سلسلة مطولة من المذكرات قام بتقديمها على أن خطة “Fall Grün” التي ستتسبب في إشعال حرب عالمية تخسرها ألمانيا. كما حث هتلر على التخلي عن فكرة الحرب التي يخطط لها. أما هتلر فقد رأى أن آراء بيك المضادة للحرب ما هي إلا “حسابات طفولية “kindische Kräfteberechnugen”
و بدايةً من شهر أغسطس في عام 1938 وصلت أخبار إلى لندن تفيد بأن ألمانيا بدأت في تحريك جنود الاحتياط. كما تسربت بعض الأخبار من قبل عناصر تعارض الحرب في الجيش الألماني بأن الحرب ستشتعل في وقت ما في شهر سبتمبر. وفي النهاية، ونتيجة لضغوط دبلوماسية شديدة من فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص، كشف الرئيس التشيكيإدفارد بينيس، يوم الخامس من سبتمبر في عام 1938 عما أطلق عليه اسم “الخطة الرابعة” لإعادة التنظيم الدستوري لدولته والذي يلبي فيها معظم مطالب الألمان في إقليم سوديتنلاند والتي تتعلق بالحكم الذاتي والتي تقدم بها هنلاين في خطابه الذي ألقاه في منطقة كارلسباد (بالألمانية: Karlsbad) في شهر أبريل من عام 1938. كما صرح الرئيس التشيكي بأنه سيبطل كل الذرائع حتى لا يعطي الألمان الفرصة لغزو دولته. وسرعان ما جاءت استجابة حزب الجبهة الداخلية بزعامة هنلاين لهذا لعرض “الخطة الرابعة” بإثارة سلسلة من الاشتباكات العنيفة مع الشرطة التشيكية والتي وصلت إلى ذروتها في منتصف سبتمبر مما أدى إلى إعلان الأحكام العرفية في مناطق معينة في سوديتنلاند وكرد فعل لهذا الموقف الحرج، فكر رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين، في اللجوء للخطة التي تم إطلاق اسم Plan Z عليها، والتي تقضي بسفره إلى ألمانيا والالتقاء بهتلر للتوصل إلى اتفاقية تعمل على إنهاء الأزمة. وفي الثالث عشر من سبتمبر في عام 1938، تقدم تشامبرلين بعرض للسفر إلى ألمانيا لبحث حل لهذه الأزمة. وهكذا، قرر رئيس الوزراء تنفيذ “خطة ز” ردًا على المعلومات الخاطئة التي أصدرتها المعارضة الألمانية والتي تنذر بأن الغزو الألماني من المتوقع حدوثه في أي وقت بعد يوم الثامن عشر من سبتمبر من العام نفسه. وبالرغم من عدم رضا هتلر عن عرض تشامبرلين، فإنه قد وافق على مقابلة رئيس الوزراء لأن رفضه لهذا العرض سيكذب مزاعمه التي دأب على تكرارها عن كونه رجل سلام لا يدفعه إلى الحرب سوى عناد الرئيس التشيكي بينيس. وفي أثناء القمة التي عقدت في منطقة بيرشتيسجادين (بالألمانية: Berchtesgaden)، وعد تشامبرلين بالضغط على بينيس ليوافق على مطالب هتلر المعلنة بخصوص تحويل تبعية منطقة ستودينتلاند إلى ألمانيا في مقابل الوعد الذي أبرمه هتلر على مضض بتأجيل اتخاذ أي رد فعل عسكري حتى يتيح الفرصة أمام تشامبرلين ليفي بوعده[66]. وما كان هتلر ليوافق على هذا التأجيل إلا لتأكده من فشل تشامبرلين في الحصول على موافقة حكومة براج بتحويل تبعية ستودينتلاند. ولذلك، أصابه إحباط شديد عندما نجحت الضغوط البريطانية والفرنسية في مساعيها وجعلت حكومة براج تجيبه إلى طلبه. ولقد زاد من صعوبة المحادثات التي تمت في سبتمبر من عام1938 بين هتلر وتشامبرلين اختلاف المفاهيم المتأصلة لدى كل منهما فيما يتعلق بالشكل الذي يجب أن تتخذه الخريطة الأوروبية. فقد كان هتلر يهدف إلى التذرع بمشكلة سوديتنلاند لإشعال الحرب، بينما كان تشامبرلين يناضل في سبيل إيجاد حل سلمي للمشكل.
عندما عاد تشامبرلين إلى ألمانيا في الثاني والعشرين من سبتمبر من العام نفسه لعرض خطة السلام المتمثلة في نقل تبعية سوديتنلاند إلى ألمانيا في قمة يتم عقدها مع هتلر بمنطقة باد جوديسبيرغ (بالألمانية: Bad Godesberg)، فوجئ الوفد البريطاني المفوض للتفاوض برفض هتلر تنفيذ الشروط التي وضعها بنفسه في بيرشتيسجادين. وفي سبيل القضاء على جهود السلام المبذولة من قبل تشامبرلين إلى الأبد، طالب هتلر تشيكوسلوفاكيا بالتخلي تمامًا عن سوديتنلاند في موعد أقصاه الثامن والعشرين من سبتمبر في عام 1938 ودون إجراء مفاوضات بين براج وبرلين ودون تفويض دولي لمراقبة عملية نقل التبعية. إلى جانب ذلك، طالب هتلر بعدم إجراء أي استفتاءات عامة في المناطق التي سيتم نقل تبعيتها إلىألمانيا قبل الانتهاء من هذه العملية. وأضاف هتلر أن ألمانيا لن تتخلى عن خيار الحرب إلا بعد أن تتوصل تشيكوسلوفاكيا إلى حلول لادعاءات بولندا والمجر ضدها. ولقد ظهر مدى تباين الآراء بين كل من هتلر وتشامبرلين جلياً عندما تعرف الأخير على مطالب الأول الجديدة واحتج على لهجة الإنذار التي اتسمت بها هذه المطالب مما دفع هتلر إلى أن يرد بحجة معاكسة مفادها إنه نظرًا لأن الوثيقة المدون بها مطالبه معنونة باسم “مذكرة”، فهذا يعني أنها ليست إنذارً.
وفي الخامس والعشرين من سبتمبر في عام 1938، قامت بريطانيا برفض إنذار باد جوديسبيرغ وبدأت في الاستعداد للحرب. وللتأكيد على هذه النقطة، زار سير هوريس ويلسون – المستشار الصناعي الأول في الحكومة البريطانية – والمساعد المقرب لتشامبرلين هتلر كرسول ليخبره أنه في حالة هجوم ألمانيا على تشيكوسلوفاكيا، فإن فرنسا ستنفذ التزاماتها الخاصة بالتحالف بين تشيكوسلوفاكيا وفرنسا والتي تم إبرامها في عام 1924. ومن ثم “ستجد إنجلترا نفسها ملزمة بعرض المساعدة على فرنسا“. وخلال يومي 27 و28 سبتمبر وإصرارًا منه على شن الهجوم المقرر في الأول من أكتوبر 1938، أعاد هتلر التفكير فيما انتوى أن يقوم به ووافق على اقتراح قدمه موسوليني وتوسط لقبوله خاص بعقد مؤتمر في ميونيخ يحضره كل من تشابرلين وموسوليني ورئيس الوزراء الفرنسي إدوار دلادييه لبحث الوضع في تشيكوسلوفاكيا. أما الأسباب التي دعت هتلر إلى تغيير موقفه، فليست واضحة. ولكن يبدو أن هذه الأسباب تكمن في اتحاد التحذيرات البريطانية والفرنسية على نفس الفكرة خاصةً بعد تحرك الأسطول البريطاني بالفعل مما جعل هتلر يرى أخيرًا النتائج التي ستؤول إليها خطة Fall Grün. كذلك ظهوره بمظهر المعتدي نتيجة لطبيعة التصريحات لتي يمكن أن تكون ذريعة لنشوب الحرب والتي أعلنها عن التوقيت الذي يطالب فيه بتحويل تبعية ستودينتلاند، إلى جانب آراء مستشاريه الألمان بعدم استعداد ألمانيا للدخول في حرب عالمية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية. أيضًا، كانت هناك تلك التحذيرات التي تلقاها من بعض الدول التي كان ينظر إليها على أنها دول حليفة له وتتضمن إيطاليا واليابان وبولندا والمجر والتي جاء فيها أنها لن تحارب بالنيابة عن ألمانيا. أخيرًا، كانت هناك إشارات تامة الوضوح إلى أن غالبية الشعب الألماني غير راضِ عن فكرة الحرب بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، كانت ألمانيا تعاني من نقص الإمدادات الكافية من الزيت وغيره من المواد الخام الأساسية (لأن المصانع التي كان من المقرر أن تنتج النفط الصناعي لاستخدامه في المجهود الحربي الألماني كانت لم تعمل بعد)، وكان الاعتماد لدرجة كبيرة على الوارادات من الخارجMurray 1984, pp. 256–260. كما أعلنت القوات البحرية الألمانية أنه في حالة الدخول في حرب مع بريطانيا فإنها لن تستطيع اختراق الحصار البريطاني. ولأن ألمانيا لم يكن لديها تقريبًا أي مخزون احتياطي من الزيت، فإن هذا السبب يكفي وحده لخسارتها الحرب. كما أخبرت وزارة الاقتصاد هتلر أن ألمانيا لا تمتلك سوى 2.6 مليون طن من الزيت في الوقت الحالي وأن الدخول في حرب ضد بريطانيا وفرنسا يستلزم ما لا يقل عن 7.6 مليون طن من الزيت. ومنذ الثامن عشر من سبتمبر في عام 1938، رفضت بريطانيا إمداد الرايخ بالمعادن، وفي الرابع والعشرين من سبتمبر منعت قياة البحرية الملكية البريطانية السفن البريطانية من الإبحار إلى ألمانيا. وقامت بريطانيا باحتجاز ناقلة البترول Invershannon التي تحمل 8600 طن من البترول إلى مدينة هامبورغ بألمانيا مما أدى إلى حدوث تأثيرات سلبية اقتصادية مباشرة على ألمانيا. ومع الأخذ في الاعتبار أن ألمانيا كانت تعتمد على استيراد النفط (حيث أن 80% من النفط في ألمانيا خلال فترة الثلاثينات من القرن العشرين كان يأتي إليها من قارات العالم الجديد) بالإضافة إلى أن احتمالية دخول ألمانيا في حرب مع بريطانيا كانت ستضعها في حصار يقطع يرجع إلى مخاوف هتلر حيال مشكلة النفط
وفي المؤتمر الذي استغرق يومًا واحدًا وتم عقده في ميونيخ وحضره كل من هتلر ولتشامبرلين ودالادييه وموسوليني، تم توقيع معاهدة ميونيخ التي استجابت لطلبات هتلر الظاهرية ونقلت تبعية المناطق الموجودة في ستودينتلاند إلى ألمانيا. وبما أن لندن وباريس كانتا قد وافقتا بالفعل على فكرة نقل تبعية المنطقة المتنازع عليها في منتصف شهر سبتمبر، فإن المؤتمر قد تناول في يوم واحد المحادثات الخاصة بالمسائل الفنية المتعلقة بكيفية تنفيذ عملية نقل التبعية. كما ناقش المؤتمر التنازلات البسيطة التي سيقوم بها هتلر والتي تتمثل في أن تتم عملية نقل التبعية في غضون عشرة أيام في شهر أكتوبر بتفويض دولي يراقب عملية نقل التبعية، وستنتظر ألمانيا حتى يتم تسوية الإدعاءات المجرية والبولندية. وفي ختام المؤتمر، وقع هتلر معاهدة صداقة ألمانية بريطانية علق عليها تشامبرلين آمالاً كبيرة بينما لم تكن لهذه المعاهدة لدى هتلر أدنى أهمية. وعلى الرغم من أن تشامبرلين كان راضيًا عن مؤتمر ميونيخ؛ الأمر الذي أدى إلى إدعائه الزائف بأن هذا المؤتمر قد ضمن “تحقيق السلام في الوقت الراهن”، فإن هتلر كان من داخله يشعر بالغضب الشديد لاضطراره “التخلي” عن الحرب التي كان يصبو إلى شنها في عام 1938. وكنتيجة للقمة التي تم عقدها، فاز هتلر في استفتاء مجلة تايم بلقب رجل العام وذلك في عام1938
وقد رحب رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين، بهذه المعاهدة باعتبارها “مبادرة للسلام في الوقت الراهن”، ولكن أثناء مساعيهم لاستمالة هتلر وكسب رضائه، تركت كل من فرنسا وبريطانيا تشيكوسلوفاكيا تحت رحمة هتلر. وبالرغم من أن هتلر كان قد أعلن على الملأ عن سعادته الغامرة إثر تحقيق مطالبه الظاهرية، فإنه كان قد عقد عزمه سرًا على الدخول في حرب في المرة القادمة التي يتاح له فيها ذلك حتى يتأكد من أن مطالب ألمانيا المستقبلية قد تم الحصول عليها. ورأى هتلر من وجهة نظره أن مبادرة السلام التي توسطت فيها بريطانيا كانت بمثابة هزيمة دبلوماسية لألمانيا بالرغم من أنها تخدم بشدة مطالب ألمانيا الظاهرية؛ وذلك لأنها أثبتت أن أحلامه للتوسع في الشرق لن تتحقق إلا بالقضاء على قوة بريطانيا. وفي أعقاب معاهدة ميونيخ، شعر هتلر أنه نظرًا لأن بريطانيا لن تتحالف مع ألمانيا أو تلتزم الحياد مما يسمح لألمانيا بتحقيق طموحاتها في القارة الأوروبية، فقد أصبحت تُشكل تهديدًا رئيسيًا لألمانيا. وهكذا، حلت بريطانيا محل الاتحاد السوفيتي في ذهنه باعتبارها العدو الرئيسيللرايخ من وجهة نظر هتلر؛ الأمر الذي يستلزم إعادة توجيه السياسات الألمانية. وفي خطبة له في التاسع من أكتوبر عام 1938 في مدينة ساربروكين (بالألمانية: Saarbrücken)، أعرب هتلر عن خيبة أمله تجاه معاهدة ميونيخ عندما هاجم شخصيات اعتبرهم من المحافظين الذين لا يسعون أبدًا إلى تهدأة الأوضاع وهم وينستون تشيرشل وألفريد داف كوبر وانتوني إيدن والذين وصفهم بأنهم زمرة من مثيري الحرب المعادين لألمانيا والذين سيهاجمون ألمانيا في أول فرصة تسنح لهم. وعبر عن اعتقاده أن هؤلاء الأشخاص من الممكن أن يتقلدوا زمام الأمور في بريطانيا في أية لحظة. وفي نفس الخطاب، أعلن هتلر: “نحن الألمان لن نتحمل بعد اليوم هذا التدخل الذي يفرض سلطته علينا. يجب على بريطانيا أن تلتفت لشئونها هي فقط وتهتم بحل مشكلاتها هي فقط” وفي نوفمبر من عام 1938، أمر هتلر بإطلاق حملة دعائية كبرى ضد بريطانيا تم فيها استخدام عبارات التجريح التي تستنكر “سياسة النفاق” التي تنتهجها بريطانيا للحفاظ على إمبراطوريتها في جميع أنحاء العالم بينما تسعى لمنع الألمان من تكوين إمبراطوريتهم الخاصة. وتم تخصيص جزء من هذه الحملة الدعائية لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها بريطانيا في تعاملها مع انتفاضة العرب في كل من فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني وفي الهند، وكذلك سياسة النفاق التي انتهجتها بريطانيا في انتقادها لحادثة ليلة الزجاج المحطم (بالألمانية: Kristallnacht)؛ التي وقعت في نوفمبر من عام 1938. ويشير هذا إلى تحول هائل عن الأفكار التي سادت خلال السنوات الأولى من عهد الرايخ الثالث عندما كانت وسائل الإعلام الألمانية تقدم الإمبراطورية البريطانية في صورة رائعة ومميزة. وفي نوفمبر من عام 1938، صدر أمر لوزير الخارجية جواشيم فون ريبنتروب بتحويل اتفاقية مكافحة الشيوعية إلى تحالف عسكري مفتوح مناهض لبريطانيا يكون مقدمة لإعلان الحرب على كل من بريطانيا وفرنسا. وفي السابع والعشرين من يناير في عام 1939، وافق هتلر على تنفيذ الخطة التي عرفت باسم “الخطة زي”، وهو برنامج للتوسع البحري يستمر لمدة خمس سنوات ويدعو إلى تأسيس قوات بحرية ألمانية بحلول عام 1944 تضم عشرة بوارج وأربع حاملات للطائرات وثلاثة طرادات مقاتلة وأربعة وأربعين طرادة خفيفة وثمان طرادات ثقيلة وثمانية وستين مدمرة ومائتين وتسعة وأربعين غواصة ألمانية وذلك بهدف سحق البحرية الملكية البريطانية. ويمكن أن نلمس أهمية هذه الخطة من خلال الأوامر التي أصدرها هتلر والتي تقضي برفع القوات البحرية الألمانية من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الأولي من حيث الأحقية في الحصول على المواد الخام والأموال والعمالة الماهرة. وفي ربيع عام 1939، أصدر هتلر أوامره إلى القوات الجوية الألمانية بالبدء في بناء قوة استراتيجية من قاذفات القنابل يكون هدفها هدم المدن البريطانية هدماً تاماً. واستدعت خطط هتلر لحربه ضد بريطانيا وجود سلاح هجومي مشترك بين القوات البحرية الألمانية والقوات الجوية الألمانية يقوم بتوجيه “ضربات إبادة سريعة” على المدن وسفن الشحن البريطانية لأنه من المتوقع “أن تستسلم بريطانيا وتعلن الخضوع في اللحظة التي يتم فيها قطع الإمدادات عنها”. وتوقع هتلر أن تفوق تجربة الحياة في إحدى الجزر البريطانية تحت وطأة الحصار والمجاعة ونيران القذف قدرة الشعب البريطاني على الاحتمال.
وفي نوفمبر من عام 1938، ذكر هتلر في أحد خطاباته السرية التي ألقاها أمام مجموعة من الصحفيين الألمان أنه كان مكرهاً على الحديث عن السلام باعتباره الهدف الذي يسعى إليه من أجل أن يتمكن من الوصول إلى مستوى إعادة التسلح “الذي كان يعتبر مطلبًا ضروريًا، بالنسبة للمرحلة القادمة”. وفي نفس الخطاب، أعرب هتلر عن تذمره نظراً لأن الدعاية الخاصة بالسلام التي أطلقها في الخمس سنوات السابقة قد حققت نجاحًا كبيرًا، وإنه قد حان الوقت الآن لكي يخرج على الشعب الألماني بفكرة الترويج للحرب. وأوضح هتلر أن “التجربة العملية قد برهنت على أن الدعاية التي روجت للسلام في العقد السابق كانت فكرة محفوفة بالمخاطر لأنها من السهل جدًا أن تقنع الشعب بأن الحكومة الحالية تلتزم بقرارها وبنواياها للحفاظ على السلام تحت كل الظروف”. وعوضًا عن ذلك، دعا هتلر إلى وجود نوع جديد من الصحافة “تقع على عاتقه مسئولية تقديم وقائع معينة في السياسة الخارجية بأسلوب يجعل صوت الشعب نفسه يعلو بالهتاف بضرورة البدء في استخدام القوة”.. وفي وقت لاحق من نوفمبر في عام 1938، أعرب هتلر عن خيبة الأمل التي كان يشعر بها من تلك النصائح الحريصة التي كان يتلقاها من بعض الجهات . وأطلق هتلر على كل من الخبير الاقتصادي كارل فريدريش جويردلر والجنرال لودفيج بيك ودكتور هيلمار شاخت والدبلوماسي أولريش فون هاسل ورجل الاقتصاد ردولف برينكمان اسم “دوائر التفكير الحريص أكثر من اللازم”، فقد حاولوا عرقلته عن إتمام مهمته عبر مناشدته بتوخي الحذر في تصرفاته. وكانت حاجة هتلر إلى مهاراتهم، هي التي منعته من “التخلص منهم في يوم من الأيام أو القيام بشيء من هذا القبيل”
وفي ديسمبر من عام 1938، تسلمت مستشارية الفوهرر برئاسة فيليب بوهلر خطابًا يتعلق بطفلة تدعى صوفيا كناور مصابة بعجز بدني وذهني شديد وتعيش في مدينة ليبزيج في تلك الفترة، كانت هناك منافسة شرسة بين مكتب بوهلر، ومكتب مستشارية الرايخ الذي يرأسه هانز هيانريش لامرز، والمستشارية الرئاسية بزعامة اوتو مايسنر، ومكتب الضابط المساعد لهتلر فيلهيلم بروكنر، ومكتب نائب الفوهرر الذي كان يسيطر عليه عمليًا مارتن بورمان على السعي لنيل الحظوة عند هتلر. وكجزء من لعبة القوة التي يستخدمها ضد خصومه، قدم بوهلر الخطاب الذي يتعلق بالطفلة المعاقة إلى هتلر الذي أعرب عن شكره لبوهلر لأنه أطلعه على هذا الأمر، وكان رده على هذا الخطاب هو توجيه أمر إلى طبيبه الشخصي د.كارل براندت بقتل الطفلة. وفي يناير من عام 1939، أمر هتلر كل من بوهلر ود.براندت بالبدء منذ تلك اللحظة في قتل جميع الأطفال المعاقين الذين يولدون في ألمانيه. وكان ذلك هو أصل برنامج القتل الرحيم. ونتيجة لذلك، أخذ كل من د.براندت وبوهلر يتصرفان دون الرجوع لهتلر، في محاولة لكسب رضاه حيث قاموا بالتوسع في عملية القتل وفقًا لبرنامج القتل الرحيم لقتل جميع الأطفال المعاقين بدنيًا أو ذهنيًا في ألمانيا كمرحلة أولى ثم قتل البالغين المعاقين كلهم بعد ذلك.
وفي أاخر عام 1938 وبدايات عام 1939، أدت الأزمة الاقتصادية المستمرة التي سببتها مشكلات عملية إعادة التسلح خاصةً تلك المشكلة التي تتعلق بنقص العملات الصعبة التي كانت تحتاج إليها ألمانيا لشراء المواد الخام التي كانت تنقصها، بالإضافة إلى التقارير التي وردت من جورينج بشأن استحالة تنفيذ الجدول الزمني المقرر “لخطة السنوات الأربعة” بهتلر إلى أن يضطر في يناير من عام 1939 إلى أن يصدر على مضض أمرًا ينص على تخفيض حصص المواد التي تلزم قوة الدفاع؛ بحيث يتم تخفيض حصة الصلب بنسبة ثلاثين بالمائة، والألومنيوم بنسبة سبعة وأربعين بالمائة، والأسمنت بنسبة خمسة وعشرين بالمائة، والمطاط بنسبة أربعة عشر بالمائة، والنحاس بنسبة عشرين بالمائة. وفي الثلاثين من يناير عام 1939، ألقى هتلر خطابًا تحت عنوان “التصدير أو الموت” يدعو فيه إلى بناء اقتصاد ألماني “هجومي” (أو “معركة الصادارت” كما أطلق عليها هتلر) من أجل زيادة ما تملكه ألمانيا من العملة الأجنبية والتي تحتاج إليها لشراء المواد الخام مثل الحديد عالي الجودة اللازم للمواد العسكرية. وعُرف هذا الخطاب أيضًا باسم “خطاب النبوءة”. ويأتي الاسم الذي عرف به هذا الخطاب من “نبوءة” هتلر التي صرح بها في الجزء الأخير من خطابه،
ولقد دار جدال تاريخي مهم حول خطاب هتلر المعروف باسم “خطاب النبوءة“. فالمؤرخون أمثال ايبرهارد جاكيل الذين يعتقدون أن هتلر كان يعني تمامًا ما قاله في خطابه يعتقدون أنه على الأقل منذ إلقاء خطاب النبوءة فإن هتلر كان قد وضع نصب عينيه تنفيذ عمليات إبادة جماعية لليهود كهدف رئيسي يسعى لتنفيذه. وقد قال كل من لوسي داويدوفيتشوجيرالد فليمينج أن هذا الخطاب أفسح المجال أمام هتلر للتصريح بأنه بمجرد إعلانه للحرب العالمية، فإنه سيستخدمها كستار لمخططاته الموجودة سابقًا لإبادة اليهود تمامًا. وأغفل كل من كريستوفر براونينج وجهتي النظر المتعارضتين بشأن الحقيقة التاريخية الخاصة بالهولوكست؛ والتي تقول أحدهما بإن أوامر الهولوكست قد صدرت من بعض مرؤوسي هتلر وإنه لم تكن لديه أبدًا النية لعمل ذلك، بينما تقول وجهة النظر الثانية بإن هتلر كانت لديه النية المبيتة منذ توليه الحكم لإبادة اليهود في الهولوكست. هذا التفسير زعمًا منهم بأنه إذا كان هتلر صادقًا في نواياه التي عبر عنها في خطابه ما كان استمر في تأجيل حكم الإعدام الذي نوى أن ينفذه ضد اليهود لمدة ثلاثين شهراً؛ وهي الفترة ما بين اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر من عام 1939 وافتتاح أول معسكر اعتقال لإبادة اليهود في أواخر عام 1941. علاوةً على ذلك، أشار براونينج إلى وجود خطة مدغشقر (بالإنجليزية: Madagascar Plan) في الفترة ما بين عامي 1940 و1941 وغيرها من المخططات الأخرى التي تبرهن على أنه لم تكن هناك خطة رئيسية موضوعة بهدف الإبادة الجماعية لليهود. هذا ويرى براونينج أن خطاب النبوءة كان مجرد محاولة للتظاهر بالشجاعة من جانب هتلر وأن هناك رابط ضعيف بين هذا الخطاب وبين الكشف الفعلي عن حقيقة السياسات المعادية للسامية التي كان يؤمن بها.
بداية الحرب العالميه الثانيه
كانت هناك ضرورة حتمية من وجهة نظر هتلر – من منطلق منهجه في معاداة بريطانيا – لضم بولندا إلى جانب ألمانيا باعتبارها دولة تابعة أو حتى دولة محايدة في هذا الصراع. واعتقد هتلر أن تحقيق ذلك يمثل ضرورة على الصعيد الاستراتيجي من ناحية لأنه يضمن تأمين الجانب الشرقي للرايخ، وعلى الصعيد الاقتصادي من ناحية أخرى لتجنب الأثر السلبي للحصار البريطاني. وكان طموح ألمانيا في المقام الأول ينصب على تحويل بولندا إلى دولة تابعة لها، ولكن مع حلول مارس من عام 1939 وعندما رفضت بولندا المطالب الألمانية ثلاث مرات، عقد هتلر عزمه على تدمير بولندا تنفيذًا للهدف الرئيسي للسياسة الخارجية لألمانيا في عام 1939. وفي الثالث من أبريل لعام 1939، أمر هتلر قواته العسكرية ببدء التجهيز للمخطط المعروف باسم غزو بولندا (بالألمانية: Fall Weiss)؛ وهو مخطط يقضي بتنفيذ الغزو الألماني في الخامس والعشرين من أغسطس في عام 1939. وفي أغسطس من عام 1939، تحدث هتلر مع قادته العسكريين عن خطته الرئيسية لعام 1939 فقال: “إقامة علاقة مقبولة بين ألمانيا وبولندا من أجل محاربة الغرب”. ولكن نظرًا لأن البولنديين لن يقبلوا بالتعاون مع ألمانيا من أجل إقامة “علاقة مقبولة” (بمعنى أن يوافقوا على أن تصبح بولندا دولة تابعة لألمانيا)، فقد رأى هتلر أنه لن يكون هناك بديل عن محو بولندا من الوجود . وقد أوضح المؤرخ جيرهارد فاينبرج أن شعب هتلر كان يشتمل على مجموعة تؤمن بفكرة تدمير بولندا (فقد كانت المشاعر المعادية لبولندا قوية جدًا في الجيش الألماني)، ولكنهم كانوا أقل رضا عن فكرة الدخول في حرب مع بريطانيا وفرنسا. فإذا كان هذا هو الثمن الذي يجب أن تدفعه ألمانيا من أجل تدمير بولندا، سيكون هتلر قد نجح على الأرجح بخطته تلك في التعبير عما يريده شعبه. وفي مناقشاته الخاصة مع أعوانه، كان هتلر دائمًا ما يصف بريطانيا بأنها العدو الأساسي لألمانيا الذي يجب أن تلحق به الهزيمة. ومن وجهة نظره، كان محو بولندا من الوجود مقدمة ضرورية يجب أن تتم حتى يتمكن من تحقيق الهدف الذي يسعى إليه وهو تأمين الجانب الشرقي من بلاده وإضافة المزيد إلى المجال الحيويلألمانيا. وشعر هتلر بالإهانة البالغة من “الوعد” الإنجليزي بحماية الاستقلال البولندي الذي تم الإعلان عنه في الحادي والثلاثين من شهر مارس في عام 1939، وأخبر معاونيه أنه “سيسقي البريطانيين من مر الكأس حتى يستجيروا” ، وفي خطابه الذي ألقاه في مدينة فيلهيلمسهافن (بالألمانية: Wilhelmshaven) بمناسبة تدشين البارجة “Admiral Tirpitz” في الأول من أبريل من عام 1939، هدد هتلر بإلغاء المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا إذا أصر البريطانيين على “سياسة التطويق” والتي تتمثل في “ضمانهم” للاستقلال البولندي. وكجزء من منهجه الجديد، أبدى هتلر تبرمه في خطاب ألقاه أمام الرايخستاج فيالثامن والعشرين من أبريل في عام 1939 من “سياسة التطويق” التي تستعملها بريطانيا مع ألمانيا، وأعلن إلغاء كل من المعاهدة البحرية بين بريطانيا وألمانيا ومعاهدة عدم الاعتداء الألمانية البولندية.
ولإيجاد ذريعة للاعتداء على بولندا، طالب هتلر بضم مدينة دانزيج (بالألمانية: Danzig) التي تتمتع بالحكم الذاتي، وكذلك بحقه في إنشاء طرق “إقليمية إضافية” عبر الممر البولندي الذي تم اقتطاعه من ألمانيا رغمًا عنها بموجب معاهدة فرساي. وبالنسبة لهتلر، كانت مدينة دانزيج مجرد ذريعة لتبرير اعتدائه على بولندا تمامًا كما فعل في حالة منطقةستودينتلاند في عام 1938 وطوال عام 1939. وبينما تم تسليط الضوء على قضية Danzig كأحد شكاوى الألمان، كان الألمان عادةً ما يرفضون الدخول في مناقشات حول هذه القضية. وهكذا، ظهر تعارض ملحوظ في مخططات هتلر بين منهجه طويل الأجل المعادي لبريطانيا – الذي أعد له العدة بالتوسع لحد كبير في “القوات البحرية الألمانية” “والقوات الجوية الألمانية” والذي كان سيستلزم سنوات عديدة حتى يكتمل – وبين سياسته الخارجية الحالية التي انتهجها على مدار عام 1939 والتي كانت ستؤدي على الأرجح إلى اندلاع حرب عامة إثر القيام بأعمال مثل الاعتداء على بولندا. واستطاع هتلر أن يتغلب على التمزق الذي كان يعاني منه بين أهدافه قصيرة الأجل وأهدافه طويلة الأجل بمساعدة وزير الخارجية ريبنتروب، الذي أخبر هتلر بأن فرنسا وبريطانيا لن يلتزما بوعودهما تجاه بولندا، وبالتالي ستكون أي حرب بين ألمانيا وبولندا حربًا إقليمية محدودة.وأرجع ريبنتروب تقديره للموقف بشكل جزئي إلى إحدى العبارات التي زعم أن وزير الخارجية الفرنسي جورج بونيت، قد قالها له في ديسمبر من عام 1938 عندما أخبره أن فرنسا الآن تنظر إلى أوروبا الشرقية باعتبارها منطقة نفوذ تخضع لألمانيا وحدها. علاوةً على ذلك، كان منصب ريبنتروب السابق كسفير لألمانيا في لندن سببًا جعل هتلر ينظر إليه باعتباره الخبير النازي الأول في الشئون البريطانية؛ وبالتالي كان لنصيحته عند هتلر وزنها وأهميتها. كذلك، أطلع ريبنتروب هتلر على البرقيات الدبلوماسية التي تدعم تحليله فقط دون غيرها من البرقيات التي لا تساند تحليله.
كما أن السفير الألماني في لندن هيربرت فون ديركسن، عمد إلى إرسال تقارير من شأنها دعم تحليل ريبنتروب مثل الرسالة التي حملها موفده في أغسطس من عام 1939 والتي ورد فيها أن نيفيل تشامبرلين يعلم أن “الهيكل الاجتماعي لبريطانيا لن يتحمل الفوضى الناجمة عن الحرب حتى وإن انتصر فيها بالرغم من إيمانه بفكرة الإمبراطورية البريطانية” وبالتالي سيتراجع عن فكرة الحرب. ويمكن ملاحظة الدرجة التي تأثر بها هتلر بنصيحة ريبنتروب من خلال أوامره التي أصدرها ٍإلى الجيش الألماني في الحادي والعشرين من أغسطس في عام 1939 بإعلان حالة تعبئة محدودة ضد بولندا وحدها. واختار هتلر آخر أغسطس كموعد لتنفيذ مخطط Fall Weiss وذلك للحد من الأثر السلبي لإعلان حالة التعبئة على الإنتاج الزراعي الألماني. وكانت المشكلات التي نجمت عن الحاجة لبدء الحملة على بولندا في آخر أغسطس أو بدايات سبتمبر حتى يتم الانتهاء منها قبل موسم هطول الأمطار في شهر أكتوبر، وكذلك حتى تحصل القوات الألمانية على قدر كافِ من الوقت حتى تستطيع الاحتشاد على الحدود البولندية وقد فرضت على هتلر وضعاً وجد نفسه فيه في أغسطس من عام 1939 في أمس الحاجة لتعاون السوفيت معه إذا كان يريد أن يدخل الحرب في هذا العام.
وكانت معاهدة ميونيخ كافية لتبديد آخر أمل تبقى لدى بعض الدوائر السوفيتيية بالاعتقاد في فكرة “معاهدة الأمن الجماعي” ، وفي الثالث والعشرين من أغسطس في عام 1939، وافق جوزيف ستالين على عرض هتلر لإبرام اتفاقية عدم اعتداء (معاهدة مولتوف-ريبنتروب)؛ وهي المعاهدة التي نصت بنودها السرية على الاتفاق على تقسيم بولندا. وتعتبر الأسباب التي تقف وراء خيارات هتلر في مجال السياسة الخارجية في عام 1939 من أهم الموضوعات التاريخية التي يثور الجدال بشأنها. فهناك رأي يقول بإن الأزمة المتعلقة بالبنية الاقتصادية للبلاد هي التي دفعت هتلر لأن “يهرب منها إلى الحرب”؛ وذلك كما يرى المؤرخ الماركسي تيموثي ماسون. وهناك رأي آخر يقول بإن تصرفات هتلر كانت متأثرة بدرجة أكبر بعوامل غير اقتصادية؛ وهو الرأي الذي يتنباه المؤرخ الاقتصادي ريتشارد أوفري. والمؤرخون الذين تجادلوا بهذا الشأن مثل: ويليام كار وجيرهارد فاينبرج وايان كيرشو يعتقدون أن أحد الأسباب غير الاقتصادية التي أدت بهتلر إلى أن يتعجل دخول الحرب هي الخوف المرضي الذي كان يستحوذ عليه من فكرة دنو أجله؛ وبالتالي الشعور بعدم وجود الكثير من الوقت أمامه لتنفيذ طموحاته. وفي آخر أيام السلام، كان هتلر يتأرجح بين التصميم على محاربة القوى الغربية إذا اضطرته الظروف، وبين العديد من المخططات التي كانت تهدف لإبعاد بريطانيا عن دائرة الحرب. ولكن، على أي حال ما كان هتلر ليتراجع عن هدفه بغزو بولندا
وكانت الأسباب التي نجحت في إقناع هتلر بإرجاء الهجوم المقرر على بولندا لفترة قصيرة من تاريخ الخامس والعشرين من أغسطس وحتى لأول من سبتمبر هي تلك الأخبار التي وردت إليه بتوقيع تحالف إنجليزي بولندي في الخامس والعشرين من شهر أغسطس رداً على معاهدة عدم الاعتداء الألمانية الروسية (وذلك بدلاً من توطيد الصلات بين لندن ووارسو كما تنبأ ريبنتروب)، بالإضافة إلى الأخبار التي وردت إليه من إيطاليا بأن موسوليني لن يلتزم بالميثاق المعروف باسم ميثاق الصداقة والتحالف بين ألمانيا وإيطاليا (بالإنجليزية: Pact of Steel) (بالألمانية: Stahlpakt) (بالإيطالية: Patto d’Acciaio). واختار هتلر أن يقضي أيام السلام الأخيرة إما في مراوغة البريطانيين ومحاولة تحييدهم عن طريق “ضمان الحماية وعدم الاعتداء” الذي تقدم به في الخامس والعشرين من شهر أغسطس في عام 1939 إلى الامبراطورية البريطانية أو في إرسال ريبنتروب إلى هندرسون بخطة للسلام في اللحظات الأخيرة قبل نشوب الحرب بشرط زمني يستحيل قبوله حتى يتمكن من إلقاء اللوم على البريطانيين والبولنديين للتسبب في نشوب الحرب. وفي الأول من سبتمبر من عام 1939، قامت ألمانياباجتياح غرب بولندا. وأعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا في الثالث من سبتمبر، ولكن لم تتخذا إجراءات فورية لتفعيل هذا الإعلان. وكان أكثر ما أثار استياء ودهشة هتلر هو تلقيه إعلان الحرب البريطاني في الثالث من سبتمبر من عام 1939، فالتفت إلى ريبنتروب وسأله: “ماذا سنفعل الآن؟”. ولم يكن لدى ريبنتروب ما يقوله سوى أن السفير الفرنسي روبرت كولوندر، قد يقوم في وقت لاحق في هذا اليوم بتقديم الإعلان الفرنسي للحرب على ألمانيا. ولم يمر وقت طويل حتى قامت القوات الروسية باجتياح شرق بولندا في السابع عشر من سبتمبر
وبعد سقوط بولندا، كانت هناك فترة زمنية أطلق عليها الصحفيون الحرب الزائفة. وفي جزء يقع في الشمال الغربي لبولندا تم ضمه إلى ألمانيا، أوكل هتلر إلى اثنين ممن يحملون رتبة (Gauleiters) (القائدين النازيين الإقليميين المسئولين عن تلك المنطقة) وهما: ألبرت فورستر وأرتر جرايسر مهمة “مد سطوة اللغة والبشر والحضارة الألمانية” إلى هذه المنطقة، ووعدهما بأنهما “لن يكونا عرضة للمساءلة من أي إنسان أو جهة” عن الطريقة التي تتم بها عملية “فرض السطوة الألمانية”. وقد قام كل من فورستر وجرايسر بتفسير هذه الأوامر من منظوره الشخصي. فقد اتبع فورستر سياسة بسيطة تتمثل في جعل البولنديين المحليين يقومون بالتوقيع على نماذج مطبوعة توضح أنهم من أصل ألماني دون الحاجة إلى تقديم وثائق تثبت ذلك. وفي نفس الوقت، قام جرايسر بحملة تطهير عرقي وحشية؛ فقد قام بطرد كل السكان البولنديين المحليين إلى المنطقة الواقعة تحت الاحتلال العسكري الألماني في بولندا. عندئذ، اشتكى جرايسر إلى هتلر – وتلاه هيملر في شكواه – من أن فورستر يقبل آلاف البولنديين كمواطنين ألمان “من أصل ألماني”؛ الأمر الذي يعني تلويث “النقاء العرقي” الألماني. وطلب الاثنان من هتلر أن يأمر فورستر بالتوقف عما يفعله. فما كان من هتلر إلا أن رد عليهما بأن عليهما أن يقوما بتسوية خلافاتهما مع فورستر وألا يقحماه في الموضوع. وتعتبر الطريقة التي تعامل بها هتلر مع المشكلة التي نشبت بين فورستر وجرايسر نموذجاً يبرهن على نظرية ايان كيرشو التي وردت في كتاب “Working Towards the Führerr”؛ وهي أن هتلر كان يصدر أوامر غامضة ويسمح لمعاونيه أن يعملوا وفق سياسات خاصة بهم وحدهم.
وبعد غزو بولندا، نشب خلاف كبير آخر بين قوتين مختلفتين؛ تركزت الأولى حول اثنين من ضباط وحدات النخبة النازية الذين كانا يحملان رتبة SS Reichsfüherer وهما هاينريش هيملر وآرتر جرايسر؛ وكانا يناصران وينفذان خططًا للتطهير العرقي في بولندا. بينما تركزت الثانية حول هيرمان جورينج وهانز فرانك وطالبت بتحويل بولندا إلى “مخزن غلال” الرايخ . وتم تسوية هذا الخلاف في مؤتمر تم عقده في الثاني عشر من فبراير في عام 1940 في ضيعة كارينهول (بالألمانية: Karinhall) المملوكة لجورينج. وقد تم حسم الخلاف لصالح وجهة نظر جورينج وفرانك القائمة على الاستغلال الاقتصادي لبولندا، وووضع حد لعملية الترحيل الجماعي التي تتم للسكان البولنديين نظرًا لأنها تعوق النمو الاقتصادي الألماني. علاوةً على ذلك، وفي الخامس عشر من مايو من عام 1940 قام هيملر بعرض مذكرة على هتلر بعنوان” أفكار للتعامل مع السكان الغرباء في الشرق” (بالإنجليزية: Some Thoughts on the Treatment of Alien Population in the East)؛ وكانت هذه المذكرة تطالب بطرد كل السكان اليهود من أوروبا إلى أفريقيا، وتحويل ما تبقى من السكان البولنديين إلى “طبقة عاملة بلا قائد”. وقد علق هتلر عن المذكرة بأنها “جيدة وصائبة”. وأدى تعليق هتلر على المذكرة إلى الإسراع بتنفيذ خطوات ما أطلق عليه اتفاقية كارينهول، كما أدى إلى انتصار وجهة النظر التي تبناها هاينريش هيملر وجرايسر في التعامل مع بولندا.
واستمرت بريطانيا – التي كانت قواتها قد قامت بمغادرة فرنسا عن طريق البحر من ميناء دونكيرك (بالفرنسية: Dunkerque) – في القتال جنبًا إلى جنب مع المناطق الأخرى الخاضعة لها في معركة الأطلسي. وبعد رفض البريطانيين – الذين أصبحوا الآن تحت قيادة وينستون تشرشل – عروض السلام التي قدمها هتلر.أمر هتلر بشن غارات قصف على المملكة المتحدة. وكانت معركة بريطانيا هي المقدمة التي تسبق الغزو الذي خطط له هتلر. وبدأت الهجمات بالضرب العنيف للقواعد الجوية ومحطات الرادار التي تحمي شمال شرق بريطانيا والتابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية. وبالرغم من ذلك، فشلتالقوات الجوية الألمانية في هزيمة القوات الجوية الملكية البريطانية. وفي السابع والعشرين من سبتمبر في عام 1940، وقع المعاهدة ثلاثية الأطراف في برلين كل من؛ سابيرو كوروسو من الإمبراطورية اليابانية وهتلر وتشانو. وكان الغرض من توقيع هذه المعاهدة ثلاثية الأطراف – والتي كانت موجهة ضد قوة لم يتم التصريح على الرغم من أنه كان واضحًا إنها الولايات المتحدة – هو ردع الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم البريطانيين. وتوسعت المعاهدة بعد ذلك لينضم إليها كل من: المجر ورومانيا وبلغاريا. وعرفت الدول الموقعة على هذه المعاهدة إجمالاً باسم تحالف دول المحور. وبنهاية شهر أكتوبر من عام 1940، لم تكن السيادة الجوية الألمانية بعد عملية أسد البحر (بالإنجليزية: Operation Sealion) (عملية أسد البحر؛ الخطة الألمانية لغزو المملكة المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية) قد تأكدت. وأمر هتلر بالقصف – الذي كان يتم في الليل في معظم الأحيان – للمدن البريطانية، وشملت هذه المدن: لندن وبليموث وكوفينتري.
الطريق الى الهزيمة
ي الثاني والعشرين من شهر يونيو في عام 1941، قام ثلاثة ملايين جندي من القوات الألمانية بمهاجمة الإتحاد السوفيتي ضاربين بمعاهدة عدم الاعتداء التي وقعها هتلر مع ستالين منذ عامين عرض الحائط. وتعتبر الأسباب التي دعت هتلر إلى غزو الإتحاد السوفيتي من الموضوعات التي ثار بشأنها جدلاً تاريخيًا كبيرًا. وقد تم إطلاق اسم رمزي على هذا الغزو وهو عملية بارباروسا. وقد صرح بعض المؤرخين مثل أندريس هيلجروبر أن هذه العملية لم تكن إلا “خطوة مرحلية” ضمن خطة هتلر التي أطلق عليها اسم “خطة الخطوات المرحلية” (بالألمانية: Stufenplan) والتي كانت تستهدف إخضاع العالم. ويعتقد هيلجروبر أن هتلر قد وضع هذه الخطة في سنوات العشرينات من القرن العشرين. وعلى صعيد آخر، يرى مؤرخون آخرون مثل: جون لوكاكس أن هتلر لم يكن لديه أبدًا خطة مرحلية لإخضاع العالم، وأن غزو الإتحاد السوفيتي كان خطوة “قام بها هتلر لغرض معين” بعد أن رفضت بريطانيا الاستسلام[130]. وقد صرح لوكاكس أن السبب الذي صرح به هتلر في حديث خاص لغزو الإتحاد السوفيتي كان بالتحديد أن وينستون تشرشل قد علق الأمل على اشتراك الإتحاد السوفيتي في الحرب إلى جانب قوات الحلفاء، ومن ثم وجد هتلر أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يجبر بريطانيا على الاستسلام هي القضاء على هذا الأمل. وكان ذلك هو السبب الحقيقي الذي دفع هتلر إلى تنفيذ هذه العملية. ومن وجهة نظر لوكاكس، فإن عملية غزو الاتحاد السوفيتي كانت من هذا المنطلق خطوة قام بها هتلر أساسًا ضد بريطانيا لإجبارها على أن تسعى للسلام معه عن طريق تدمير أملها الوحيد في النصر، فلم تكن هذه الخطوة – في حقيقة الأمر – ضد الإتحاد السوفيتي. ويعتقد كلاوس هيلدبراند أن كل من ستالين وهتلر كان يخطط منفرداً للهجوم على الآخر في عام 1941. ويرى هيلدبراند أيضًا أن الأخبار التي انتشرت في ربيع عام 1941 عن احتشاد القوات السوفيتية على الحدود أدت إلى اشتراك هتلر في خطة الفرار إلى الأمام (بالألمانية: flucht nach vorn) (وتعني مجابهة الخطر عن طريق الهجوم بدلاً من الانسحاب). وتوجد طائفة أخرى من المؤرخين تضم مجموعة متنوعة منهم مثل: فيكتور سافوروف ويواشيم هوفمان وارنست نولت ودافيد ايرفينج تعتقد أن السبب الرسمي الذي صرح به الألمان لقيامهم بعملية غزو الإتحاد السوفيتي في عام 1941 هو السبب الفعلي وراء هذه العملية؛ وبهذا تكون هذه العملية “حرب وقائية” وجد هتلر نفسه مجبرًا على الدخول فيها لتفادي هجوم سوفيتي كان سيعوقه عن تحقيق أحلامه؛ ذلك الهجوم الذي كان مقررًا له أن يتم في يوليو من عام 1941. وتعرضت هذه النظرية لهجوم كبير وتم وصفها بإنها خاطئة؛ وقد قام المؤرخ الأمريكي جيرهارد فاينبرج بتشبيه المدافعين عن نظرية الحرب الوقائية بمن يؤمنون في “الحكايات الخرافية“.
واستولت القوات الألمانية في غزوها على أجزاء كبيرة من الأراضي التي شملت، دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا. كذلك، حاصرت القوات الألمانية الكثير من القوات السوفيتية ودمرتها، وهي القوات التي أصدر ستالين أوامره إليها بعدم الانسحاب. وبالرغم من ذلك، فقد وجدت القوات الألمانية نفسها مجبرة على التوقف قبيل تمكنها من دخول موسكو مباشرةً في ديسمبر من عام 1941 بسبب الشتاء الروسي القارس والمقاومة السوفيتية العنيفة. وفشل الغرو في تحقيق النصر السريع الذي كان هتلر يريده. وفي الثامن عشر من شهر ديسمبر من عام 1941، سجل هاينريش هيلمر الذي كان يحمل رتبةReichsführer-SS في وحدات النخبة النازية في الدفتر الذي كان يدون فيه تفاصيل المقابلات التي يقوم بها سؤاله إلى هتلر، “ماذا سنفعل مع يهود روسيا؟” وكانت إجابة هتلر على السؤال: “als Partisanen auszurotten” أو “قم بإبادتهم على أنهم أعضاء القوات غير النظامية التي تزعج القوات الألمانية المحتلة بشن الغارات المتكررة عليها”. ويعلق المؤرخ الإسرائيلي يهودا باوير على هذا الموضوع بأنه يمكن اعتبار الملحوظة التي سجلها هيلمر في دفترة هي أقوى الدلائل التي يمكن العثور عليها لإثبات الأمر الصريح الصادر من هتلر بإنشاء الهولوكست.
وقد وضع إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة في الحادي عشر من ديسمبر في عام 1941 بعد أربعة أيام من قيام الإمبراطورية اليابانية بالهجوم على ميناء بيرل هاربور في هاواي، وبعد ستة أيام من اقتراب القوات النازية الألمانية من موسكو في مواجهة ائتلاف ضم أكبر إمبراطورية في العالم ممثلة في الإمبراطورية البريطانية، وأكبر قوة صناعية ومالية في العالم ممثلة في الولايات المتحدة، وأكبر جيش في العالم ممثلاً في الإتحاد السوفيتي.
وفي أواخر عام 1942، لحقت الهزيمة بالقوات الألمانية في معركة العلمين الثانية؛ الأمر الذي وضع حدًا لمحاولة هتلر الاستيلاء على قناة السويس والشرق الأوسط. وفي فبراير من عام 1943، انتهت معركة ستالينجراد الهائلة بتدمير الجيش السادس الألماني. وبعد ذلك، وقعت معركة كورسك الهائلة. وأصبحت قرارات هتلر العسكرية غريبة الأطوار بشكل متزايد، وأخذ الوضع العسكري والاقتصادي لألمانيا في التدهور. كذلك، تدهورت حالة هتلر الصحية. فقد كانت يده اليسرى ترتجف. ويعتقد ايان كيرشو الذي كتب السيرة الذاتية لهتلر وآخرون أن هتلر ربما يكون قد عانى من مرض الشلل الرعاش. كما يشتبه في أن يكون مرض الزهري سببًا في بعض الأعراض المرضية التي ظهرت على هتلر بالرغم من أن الدليل المتوافر على صحة هذا الاعتقاد ضعيف
ويعد اجتياح قوات الحلفاء لصقلية عملية هاسكي في عام 1943، تم عزل موسوليني من قبل بييترو بادوليو الذي أعلن استسلامه لقوات الحلفاء. وطوال عامي 1943 و1944، كانت القوات السوفيتية تجبر جيوش هتلر على الانسحاب بكل ثبات على طول الجبهة الشرقية. وفي السادس من يونيو من عام1944، تمت عملية إنزال جيوش الحلفاء الغربيون في شمالي فرنسا في واحدة من أكبر العمليات البرمائية التي حدثت في تاريخ العسكرية؛ وهي العملية التي تعرف باسم عملة القائد الأعلى (بالإنجليزية: Operation Overlord). وكان أصحاب الرؤية الواقعية في الجيش الألماني يعرفون أن الهزيمة حتمية، وخطط البعض منهم لإقصاء هتلر عن السلطة. وفي يوليو من عام 1944، قام كلاوس فون شتاوفينبرج بزرع قنبلة في مركز قيادة الفوهرر هتلر المعروف باسم وكر الذئب (بالألمانية: Wolfsschanze) في رستنبورج (بالألمانية: Rastenburg) ولكن هتلر نجا من الموت بأعجوبة. وأصدر هتلر أوامره بالقيام بعملية انتقام وحشية تم فيها تنفيذ حكم الإعدام في أكثر من أربعة آلاف وتسعمائة شخص. الأمر الذي تم أحيانًا عن طريق التجويع في الحبس الانفرادي الذي يعقبه التعرض البطئ للاختناق. وتم القضاء على حركة المقاومة الرئيسية بالرغم من أن بعض المجموعات المتفرقة الأصغر حجمًا استمرت في محاولاتها
الهزيمة والموت
وبحلول نهاية عام 1944 كان الجيش الأحمر قد أجبر الألمان على التراجع إلى أوروبا الوسطى، وكانت قوات الحلفاء الغربيون تتقدم صوب ألمانيا. وأدرك هتلر أن ألمانيا قد خسرت الحرب، ولكنه لم يسمح بالانسحاب. وتمنى هتلر أن يقوم بالتفاوض المنفرد من أجل السلام مع الأمريكيين والبريطانيين؛ وهو الأمل الذي دعمه وفاة فرانكلين دي روزفلت في الثاني عشر من أبريل من عام 1945. وسمح عناد هتلر واستخفافه بأخذ الحقائق العسكرية في الاعتبار باستمرار الهولوكوست. كما أصدر هتلر أوامره بالتدمير الكامل لكل البنية التحتية الصناعية الألمانية قبل أن تقع في أيدي قوات الحلفاء. وقال أن فشل ألمانيا في الفوز بالحرب أدى إلى خسارتها لحقها في البقاء. وهكذا، قرر هتلر أن الأمة بأسرها يجب أن تنتهي معه. وعهد هتلر بتنفيذ خطة الأرض المحروقة (تدمير كل ما يمكن أن ينفع العدو قبل الانسحاب من الأرض) إلى وزير التسلح ألبرت سبير الذي لم يطع أمر قائده.
وفي أبريل من عام 1945، هاجمت القوات السوفيتية ضواحي مدينة برلين. ووجد هتلر نفسه في وضع يجبره فيه مطاردوه على الفرار إلى جبال بافاريا ليتمكن من مواجهتهم في جولة أخيرة في المعقل الوطني الذي لجأت إليه الفلول المتبقية من القوات. ولكن هتلر كان مصممًا على أن يعيش في عاصمة بلاده أو يهلك فيها.
وفي العشرين من أبريل، احتفل هتلر بعيد ميلاده السادس والخمسين في “قبو الفوهرر” (بالألمانية: Führerbunker) الذي كان موجودًا أسفل مستشارية الرايخ (بالألمانية: Reichskanzlei). وقام قائد الحامية المحاصرة في “حصن بريسلو (بالألمانية: Festung Breslau) الجنرال هيرمان نيهوف، بتوزيع الشيكولاتة على القوات المحاصرة احتفالاً بذكرى ميلاد القائد.
وفي 21 أبريل من عام 1945، استطاعت قوات جورجي جوكوف؛ قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى أن تخترق دفاعات الفرقة العسكرية (بالألمانية: Vistula) التابعة لقوات الدفاع الألمانية بقيادة الجنرال جوتهارد هاينريكي أثناء معركة مرتفعات سي لو. وكان السوفيت في هذا الوقت يتقدمون صوب قبو هتلر دون مقاومة تذكر. ومتجاهلاً الحقائق الواضحة، رأى هتلر أن الخلاص من ورطته قد يكون في الوحدات المتداعية للسقوط بقيادة الجنرال فليكس شتاينر. وأصبحت القوات التي يقودها شتاينر معروفة باسم جيش شتاينر المستقل (بالألمانية: Armeeabteilung Steiner). ولكن، لم يكن “لجيش شتاينر المستقل” أي وجود إلا فوق الورق الذي تسطر فوقه الخطط العسكرية. وقد كان هذا الجيش أكبر قليلاً من فيلق، ولكنه كان أصغر من أن يطلق عليه جيش. وأصدر هتلر أوامره إلى شتاينر بمهاجمة الجناح الشمالي من الجزء البارز الضخم في الخط الدفاعي الألماني الذي نجحت قوات جبهة روسيا البيضاء الأولى بقيادة جوكوف في اختراقه. وفي هذه الأثناء، صدرت الأوامر إلى الجيش التاسع الألماني (الذي كان قد أجبر على التحرك إلى جنوب الجزء الذي نجحت قوات المعادية في اختراقه) بمهاجمة الشمال في هجوم يمكن وصفه بإنه هجوم كماشة.
وفي وقت لاحق في الحادي والعشرين من أبريل، أجرى هاينريكي اتصالاً مع هانز كربس – قائد القيادة العليا للجيش (بالألمانية: Oberkommando des Heeres) أو OKH – ليخبره أن خطة هتلر غير قابلة للتنفيذ. وطلب هاينريكي أن يتحدث إلى هتلر، ولكن كربس أخبره أن هتلر مشغول للغاية ولا يستطيع أن يتلقى هذا الاتصال.
وفي الثاني والعشرين من أبريل، وأثناء واحدة من مؤتمراته العسكرية الأخيرة قام هتلر بمقاطعة التقرير الذي كان يتلى عليه ليسأل عن مصير خطة الجنرال شتاينر الهجومية. وكان الرد هو فترة من الصمت الطويل خيمت على الاجتماع. وبعدها، أخبروه بإن الهجوم لم يتم تنفيذه وأن انسحاب وحدات عديدة من جيش شتاينر من برلين – بناءً على أوامر هتلر – أدى إلى ضعف الجبهة وبالتالي نجاح الروس في الدخول إلى برلين. عندها طلب هتلر من جميع الحاضرين – عدا فيلهلم كايتل وهانز كربس وألفريد يودل وفيلهلم برجدورف ومارتن بورمان – مغادرة غرفة الاجتماعات. ثم انفجر فيمن تبقى من حاضري الاجتماع بخطبة مسهبة وعنيفة مندداً بما اعتبره خيانة متعمدة لأوامره وعدم كفاءة من جانب قادته. واختتم كلامه بأن أقسم على أن يبقى في برلين على رأس القوات المدافعة عن المدينة، ثم يطلق النار على نفسه بعد ذلك
وقبل أن ينتهي ذلك اليوم، وجد هتلر أن سبيل النجاة الوحيد أمامه يتمثل في تنفيذ خطة جديدة يستعين فيها بقوات الجيش الثاني عشر بقيادة الجنرال فالتر فنك. وكان الخطة تقتضي أن يقوم فنك بتحويل جيشه – الذي كان يواجه القوات الأمريكية في الغرب حينها – إلى ناحية الشرق لتحرير برلين. وهكذا، يلتحم الجيش الثاني عشر مع الجيش التاسع لاقتحام المدينة.
وقام فنك بالفعل بالهجوم، وفي غمار الفوضى استطاع أن يقوم باتصال مؤقت مع حامية بوتسدام. ولكن، لم ينجح بالمرة في الاتصال بالجيش التاسع – كما كان مقررًا في الخطة أصلاً.
وفي الثالث والعشرين من أبريل، ألقى جوزيف جوبلز بالبيان التالي أمام أهل برلين:
|
أدعوكم للقتال من أجل مدينتكم. حاربوا بكل ما أوتيتم من قوة، من أجل زوجاتكم وأطفالكم، وأمهاتكم وآبائكم. إن أسلحتكم تدافع عن كل ما هو عزيز عليكم، إنها تدافع عن الأجيال التي ستخلفنا. كونوا أعزاء شجعان! كونوا مبدعين وماكرين! (غوليتر) بينكم. وسيظل مع رفاقه معكم. إن زوجته وأطفاله معكم أيضا. إن من سيطر على المدينة بمئتي رجل فحسب، سيستخدم اليوم كل وسيلة لتمكني دفاعات المدينة. ‘ن معركة برلين يجب أن تكون إشارة للأمة جمعاء كي تنهض وتقاتل. |
|
—جوزيف جوبلز، 23 أبريل، برلين |
وفي الثالث والعشرين من أبريل أيضًا، قام الرجل الثاني في حكومة الرايخ الثالث وقائد القوات الجوية هيرمان جورينج، بإرسال برقية من منطقة بيرتشتيسغادين (بالألمانية: Berchtesgaden) في بافاريا. وصرح فيها بأنه بعد أن تم حصار هتلر في برلين، فإنه يطالب بتولي حكم ألمانيا خلفًا لهتلر الذي كان قد اختاره لتولي هذا المنصب خلفًا له من قبل. وذكرجورينج فترة زمنية معينة يتم بعدها اعتبار هتلر غير مؤهل للبقاء في الحكم[147]. ورد هتلر – في حنق – بإصدار أوامره بالقبض على جورينج. وعندما كتب وصيته في التاسع والعشرين من أبريل، أعفى جورينج من كل المناصب التي كان يتقلدها في الحكومة[147][148][149].
ومع انقضاء يوم السابع والعشرين من شهر أبريل، كانت برلين قد انعزلت تمامًا عن باقي الرايخ.
وفي الثامن والعشرين من أبريل، اكتشف هتلر أن قائد وحدات النخبة النازية هاينريش هيلمر، كان يحاول مناقشة شروط الاستسلام مع الحلفاء (عن طريق الدبلوماسي السويدي كونت فولك بيرنادوت). وأصدر هتلر أوامره بإلقاء القبض على هيلمر، كما أمر بإطلاق النار على نائب هيلمر في برلينهيرمان فيجلاين.
وفي مساء الثامن والعشرين من أبريل، صرح الجنرال فينك بأن جيشه الثاني عشر قد تم إجباره على التراجع على طول جبهة القتال. وأضاف إنه لم يعد من الممكن القيام بأية هجمات أخرى على برلين. ولم يبلغ الجنرال ألفريد يودل (القائد الأعلى للجيش) هذه المعلومات إلى هانز كربس في برلين حتى وقت مبكر من صباح يوم الثلاثين من أبريل.
وفي التاسع والعشرين من أبريل، كان كل من هانز كربس وفيلهلم برجدورف وجوزيف جوبلز ومارتن بورمان شهوداً على وصية أدولف هتلر الأخيرة ووقعوا عليها. وقد أملى هتلر هذه الوثيقة على سكرتيرته الخاصة تراودل يونج. وفي نفس اليوم، تم إبلاغ هتلر بأخبار وفاة الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني، العنيفة في الثامن والعشرين من أبريل؛ وهو الأمر الذي زاد من تصميمه أن يتجنب الوقوع في الأسر.
وفي الثلاثين من أبريل من عام 1945، وبعد اشتباكات عنيفة انتقلت من شارع إلى شارع في مدينة برلين، وبينما كانت القوات السوفيتية على بعد تقاطع أو اثنين من مقر مستشارية الرايخ، قام هتلر بالانتحار بإطلاق النار داخل فمه وهو يضع في فمه كبسولة سيانيد. وقد تم وضع جثة هتلر وجثةإيفا براون – عشيقته التي تزوجها في اليوم السابق لانتحاره – في حفرة صنعتها قنبلة. وقام اوتو جونش وبعض الضباط المعاونين الموجودين في قبو القائد بسكب الكثير من البنزين على الجثتين، وإشعال النار فيهما بينما كان الجيش الأحمر مستمرًا في تقدمه ممطرًا المدينة بالقنابل.
وفي الثاني من مايو، استسلمت برلين. وفي السنوات التي أعقبت الحرب، تضاربت المعلومات التي وردت في التقارير عن مصير ما تبقى من رفات هتلر. وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي، وردت معلومات من التقارير التي كانت محفوظة في الأرشيف السوفيتي أنه قد تم دفن الجثث الخاصة بكل من هتلر وإيفا براون وجوزيف جوبلز وقرينته ماجدا جوبلز وأطفال جوبلز الستة والجنرال هانز كربس والكلاب التي كان هتلر يمتلكها سرًا في مقابر بالقرب من مدينة راثيناو (بالألمانية: Rathenow) في ولاية براندنبورغ (بالألمانية: brandenburg). وفي عام 1970، فتح السوفيت المقبرة التي تم دفنهم فيها، وتم حرق الرفات التي وجدت بها ونثرها في نهر الالب. ووفقًا للمعلومات الواردة من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، فإن جزء من جمجمة بشرية تم الاحتفاظ بها في الأرشيف الخاص بالجهاز وعرضها في معرض في عام 2000؛ وهي من الرفات التي تبقت من جسد هتلر وتعتبر كل ما تبقى من هذا الرفات. وقد شكك العديد من المؤرخين والباحثين في حقيقة انتماء هذا الجزء من الجمجمة لرفات هتلر.
Published: Mar 24, 2017
Latest Revision: Mar 24, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-276735
Copyright © 2017