لقد كنت أعيش في بيت رجل عجوز,أعمل لخدمته في النهار وانام في بيته ليلا, يا اللهي كم هو جميل ذلك الرجل العجوز! كان رجلا بمعنى الكلمة, هو الشخص الوحيد الذي عندما أجلس معه أشعر بالطمانينة والراحة والفخر لمعرفته,كان يعطف علي كأنني ابنته تماما حتى صرت ألقبه بأبي .”ابنتي العزيزة, لطالما أردت أن لا ابتعد عنك طوال سنين حياتك,لكن هذا الشيء لا يقرره غير الله سبحانه وتعالى فهوليس بيدي ولابيدك أيضا ,لقد كبرت وكبر مستقبلك معك وأصبحت لا أقدر على اعانتك ولا انتي قادرة على اعانتي,بعدما أصبحت عجوزا تكاد روحي تصعد الى ربها راضية مرضية ,فقررت من دافع نفسي أن أترك لكي هذا البيت ,تلونين مستقبل حالم !؟ فيه ,وأنا سأذهب الى المبيت مع أمي, كم اشتقت لها ! “. لقد رأيت هذه الرسالة ملقاة على الأرض وأبي بجانبها ,صعقت من شدة المفاجأة ,وظننت انه يمازحني كعادته ,لكن في هذه المرة بدا وكأنه جاد بالفعل؟ بدأت احرك جسده المرمي على الارض الذي لم يتحرك ساكنا,لم يكن يستجيب لندائي, بالفعل لقد رحل ورحلت أجمل ذكريات طفولتي معه ,هو الذي رباني واواني واهتم بي وراعاني منذ كنت مرمية في أحد زقق المدينة
2
,أصبحت فتاة وحيدة واعتبرت نفسي يتيمة,لا أعرف أحدا في هذه الحياة,حاولت التقرب بمن هم حولي,حتى باتت محاولاتي فاشلة في كل مرة,لم أعد قادرة على البقاء وحدي في هذه الحياة , لماذا يا الله؟لطالما كنت مخلصة لك صرت انسانة بلا معنى وأكاد أصبح بلا وجود
في يوم من الأيام وانا جالسة أتامل أثاث المنزل الهرم,وعفن الحائط,قررت باصرار تام بيع البيت, لربما هناك من يحتاجه أكثر مني,وعلى الفور ذهبت الى مكتب العقارات, لأعرض عليهم البيت,وحين وصلت قال المسؤول لي :لكن البيت الذي تتكلمين عنه من الصعب أن تجدي شخص يتقبل العيش فيه, لكن لا بأس من المحاولة. كان لدي امل طفيف على وجود شخص يتقبل العيش في هذا المنزل ,وعلى الرغم من كل العقبات التي سمعتها الا أنني سأحاول
أصبحت اتي الى المكتب كل يوم,لأتفقد ما ان كان هناك مشتر للبيت ام لا, لكن دون جدوى ,سرت على هذا الحال لمدة ثلاثة أشهر, بعدها سأمت من تكرار المحاولات الفاشلة وقررت الرحيل الى مكان اخر أجد نفسي فيه كان هذا الشيء الوحيد الذي تركه لي والدي الذي لم ينجبني,مع ذلك قررت الذهاب
3
بدأت أتسول في الشوارع كمجنونة لا أعرف أين أنا ولا أعرف حتى من أكون, تعبت من كثرة المشي في الشوارع الخالية وحدي , فجلست على رصيف شارع ,كان كل شخص يمر من جانبي ينظر الي بشفقة حادة,ومنهم من كان يرمي لي قطعا من النقود عند قدمي ,وبكل قطعة تنزل فوق رأسي “أبكي” لاأعرف لماذا؟ربما لأنني لم أعتد على هذا الشيء
بعد فترة طويلة نسبيا,اعتدت على شيء يسمى “التسول” أمشي بين السيارات وألتقت نقودا من الماره بنفسي, كان شيء متعبا جدا,أصبحت شخص اخرلا أعرف من هو ولا أعرف ما الذي قاده الى القيام بذلك سوى الفراغ الذي ملأ حياته,وذات يوم, أثناء تسولي مرت بجانبي امرأة أخافني شكلها, كانت ترتدي ثوبا اسودا وحجاب اخر لونه أسود ,ظلت تحدق بي حد الجنون, حتى ظننت أنها وحشا يريد افتراسي في أي لحظة, اقتربت مني ومدت يدها نحوي, خفت جدا فركدت مسرعة نحو الرصيف وأكملت طريقي راكضة وهي خلفي ,وفجأة وقعت على الأرض وزاد خوفي منها أكثر هممت بالقيام لكنني لن أستطع
4
فتحت عيناي الاثنتان, ورأيت حائطا أبيضا من فوقي, فوجئت وأخذت أنظر يمينا ويسارا حتى رأيتها ,بالطبع تلك المرأة التي بقيت تلحق بي وأنا أهرب منها ,تسارعت نبضات قلبي وأنا أفتح فمي لسؤالها عما حصل ,لكن قبل أن أفعل ذلك رأيتها تقول :لا تقلقي يا ابنتي أنت في المستشفى ,لقد فقدت الوعي كاملا منذ أربع أيام ,بسبب الارهاق الشديد وقلة التغذية اللذين أصابوكي في الاواني الاخيرة ,وخلال هذه الفتره كنت جالسة بجانبك ,لكنني الان أريد أن أسألكي سؤالا:هلا عرفتني وتذكرتني؟رفعت رأسي علامة النفي فظهرت عليها علامات الحيرة الشديدة
من خلال كلامي مع تلك المرأة شعرت بالراحة الداخلية اتجاهها,نبرة صوتها كانت تذكرني بشخصا لكنني لا أذكره الان, لم أكن قد رأيتها هكذا في المرة الأخيرة وبعد يوم واحد من استرجاع وعي, اخبرتني أنه بامكاني الخروج من المستشفى والذهاب معها الى منزلها, فوافقت دون تفكير, لسوء حالتي النفسية التي لاتسمح لي بالرجوع الى تلك الشوارع
5
أثناء طريقنا الى المنزل سألتها :هل هناك من أحد يعيش معك في منزلك؟ ,فأجابت بنعم, عدت وسألتها :من يكون؟ قالت: ابنتي ,ولكنها حين قالت تلك الكلمه رأيت بدمعة تكاد تسقط من عينها وسرعان ما لاحظت انني أنظر اليها ,قامت بمسح وجهها كاملا,شعرت بالاستغراب الشديد فليس هناك من داع لفعل ذلك برأيي
أخرجت مفتاح المنزل من جيبها وفتحت الباب ,دخلنا البيت وأنا متشوقة للتعرف على ابنتها ,لم أجرؤ على السؤال حتى لا أكون عبأ عليها من لحظة وجودي هناك فعندما دخلت لم أرى أحدا في الداخل وكأن البيت مهجور, قلت في نفسي: لربما هي نائمة او زائرة عند احد فليس من المعقول أن تجلس في البيت وحدها ووالدتها كانت تبيت معي في المستشفى منذ أربعة أيام
أخذتني لأرى الغرفة التي سأنام فيها وعندما رأيتها قلت :لماذا يوجد سريرين في هذه الغرفة ؟هل من أحد يريد المبيت معي؟ فردت :بالطبع فهذه غرفة ابنتي ,لم يعجبني هذا الأمر كثيرا فلقد كانت الغرفة مليئة بألعاب الأطفال التي لا تتناسب مع سني السابعة عشر، وأيضا أنا لم أعتد على النوم وهنالك من تبيت معي في الغرفة ,اعتدت على هذا الأمر منذ صغري,قلت لها بصوت منخفض : هل ابنتك طفلة, فأجابت:لا فهي تصغرك بأربع سنوات فقط, وليس هنال بينكم ,ستحبينها ان شاء الله
هززت رأسي مبتسمة ,ولكن كل ما كان يدور بذهني, هو أن هذه الألعاب المتواجدة في الغرفه لا تليق لفتاة بسن ابنتها الثاللثة عشر,اندهشت بتلك المرأه وتخيل لي لوهلة أنها مجنونة كما رأيتها أول مرة
6
خرجت المرأة من الغرفة وتركتني أتفقدها, عندما خرجت سمعتها تهمس في أذن متصل عبر الهاتف ولم أستطع سماع أي كلمة,بعد عدة ساعات طرق باب المنزل, فظننت أن ابنتها هي القادمة, توجهت راكضة نحو الباب وفتحته, فرأيت رجلا ذو ملابس ممزقة من شدة العمل, وقال لي: تفضلي يا سيدتي, هذا ما طلبتموه من السوبر ماركت فقلت :لكننا لم نطلب شيئا, وما ان انتهيت من نطق هذه الكلمات, حتى رأيت السيدة تمسك بالكيس بشدة وتقول للبائع :شكرا جزيلا لك ،سألتها باستغراب:ما هذا الشيء؟! فنظرت نحوي بعينين يملؤهما الحزن,قالت :انهم حفاضات أطفال لابنتي, واتجهت نحو غرفتها واغلقت الباب خلفها شعرت في تلك اللحظة بوغزة في قلبي وقلت :لا بأس ربما تمازحني
بعد دقائق معدودة طرق الباب من جديد, كان لدي رغبة بمعرفة من هو الطارق هذه المرة,لربما تكون ابنتها, فتوجهت نحو الباب وفحته, واذ بكرس متحرك يدخل من خلال الباب بشكل بطيء وفتاة تجره من الخلف ليدخل,خلال لحظات قصيرة أتت المرأة وقالت لي :هذه ابنتي فتوجهت عيناي بشكل تلقائي الى الفتاة الواقفة ،عندها تبسمت بوجهي وتبسمت لها, فقاطعت المرأة نظراتنا وقالت :هذه هي ابنتي التي سألتني عنها, أجل هذه هي التي تجلس أمامك على الكرسي المتحرك, هذه هي فتاتي المدللة التي ربيتها واعتنيت بها لوحدي منذ رحيل والدها بمرض السرطان, لقد تركها لي ورحل, ما أصعب أن تفقد شخصا رائع كان يملئ عليك حياتك, ولكن الأجمل أن يبقي لك قطعة من روحه لكي,وهذه القطعه هي ابنتي التي رزقنا الله اياها, هي التي ملئت حياتي بالرغم من التشوهات التي خلقت معها ، فابنتي منذ خلقت وهي تعاني من مرض النخاع الشوكي, الذي أفقدها القدرة على الحركه كما أفقدها السيطرة على طرح البول, فالحفاضات التي أتى بها الرجل كانت لها، في هذه اللحظات راحت عيناي تنهمر بالبكاء دون تحكم ودون توقف ,وركضت نحو الغرفة
7
لقد بدأت أشعر بأنني انسانة لها وجود ولها معنى فهناك العديد من الأشخاص يسألون عني, كتلك الامرأة التي أسكن معها ,والأهم من ذلك تلك الطفلة التي أصبحت أعتني بها كطفلة لي, كلما أجلس واعتني بها أشعر بذاتي, أشعر بكم أنا رائعه, شعور جميل أن تعرف قيمة نفسك, ومن أنت, ولكن كان ينقصني شيء واحد وهو” السعادة الحقيقية
أتذكرون تلك الفتاة التي ابتسمت لي عند الباب, لقد كانت الطبية ديما المرافقة لياسمين الطفله, هذا هو اسمها لطالما اعتبرتها شقيقتي الاولى, وياسمين شقيقتي الثانية, والمرأة أم ياسمين أمي، هؤلاء الأشخاص هم عائلتي ,ليسوا من دمي ولحمي ولكنهم الأفضل في حياتي, أتذكرون أيضا حين سألتني أم ياسمين في المستشفى,” أتذكرينني” فقلت “لا” لقد كانت جارة أبي في البيت القديم, حين كنت أخدمه وأنا صغيرة كانت كل يوم تأتي وتحضر معها طعاما لنا, حتى أنها هي من علمني كيفية الطبخ, حين أخبرتني بذلك تذكرتها, وتمنيت لو أنني تذكرتها حين وفاة والدي, ربما كان باستطاعتها احتوائي في منزلها, بدلا من الشارع لكن هذا لا يهم الان فأنا بخيرهنا
8
في يوم من الأيام كنت جالسة مع ديما والبسمة لا تفارق وجهي وفمي لم يكن قادرا على التوقف كما ولوانه ألة ميكانيكية، قاطعتني وهي تقول :هيا أخبريني ما الذي يزعجك، فجأة خلال ثوان رحلت الابتسامة ورحلت الكلمات واتى بدل منهم الحزن والدموع ورحت باكية متجهة نحو صدرها ضمتني بحنان حقيقي وهي تربت لي على كتفي لتواسيني
بعد دقائق رفعت رأسي وقلت :لقد مللت من هذه الحياة فأنا أشعر بفراغ كبير يملأ علي حياتي فقالت لي: أنت فتاة تتهربين من واقعك بفعل بعض الأشياء كالاهتمام بالاخرين أو النوم الى أخره فلا يجب عليكي الهروب من الواقع ،لا بأس من بعض الأحلام ولكن ليس بهذا الشكل أنت الان تتهربين من هذا لكن سيأتي يوم ويصفعك الواقع ويقول لكي أنكي ما زلت هنا فلا تدعيه يصفعك وعيشي حاضرك انسي هم الماضي ولا تقلقي بشأن المستقبل استيقظي وكأنك خلقتي للمرة الأولى
حين دخلت هذه العبارات على مسامعي لم أكن قد فهمتها بعد ولكنها أثرت بي لدرجة أنني أصبحت أفكر بهذا ليلا ونهارا وكل مرة كنت أجلس معها تزيد من راحتي برغبتي في الاستماع الى المزيد
حين قلت لها ما حصل معي بعد تلك الكلمات التي سمعتها منها نظرت الي وابتسمت وقالت :هذا رائع والان سأسدي لكي بنصيحة أرجو أن تأخذي بها ،لما لا تهاجري
فتحت عيناي بشكل مفاجأ وطار الكلام من فمي لكنني التقطه مسرعة وقلت: ما الذي تريدينه مني هل أنا سيئة الى تلك الدرجة التي لم تقدري على أن تتحملي وجودي معكم في هذا البيت
نظرت الي والدموع تسقط من عينها من شدة الضحك وأجابت :لم أكن أقصد هجرة الواقع بل هجرة الخيال قلت لها :وما هذه الهجرة لم اسمع بها من قبل فردت: هاجري بخيالك بأحلامك وتأملي بها ان أعجبتكي حوليها الى حقيقة وواقع فان الأحلام وان طال تحقيقها حتما سيأتي يوم يقول لها الله كن فيكن
9
حاولت كثيرا أن افهم الكلام الذي قالته في المرة الأخيرة وأحلله بقيت أسبوعا كاملا وأنا أفكر بكلامها لم تذهب هذه الكلمات من ذهني أبدا لقد أحببتها كثيرا من غير أن أفهمها
في يوم من الأيام وأنا أعد الطعام وأفكر بكلام ديما كانت العديد من الأسئلة تتراود الى ذهني توقفت عن العمل وبعد سابق اصرار دخلت الى غرفتي وفكرت بكل حرف قالتها ديما حتى فهمت ما كانت تقصده فهمت أنني انسانة ليس لها طموح ولا هدف تريد تحقيقه فهمت من كلامها أنها قصدت بذلك مصلحتي الشخصية لكن كلماتها الاخيرة لم تأتي عبثا منها لابد من وجود سر له
بعد يوم أتت ديما وأخبرتها بكل شيء وسألتها عن سبب قولها لي لما لا تهاجري بخيالك ابتسمت وقالت: لقد كنت مثلك تماما بل أكثر كان الفراغ الذي أدى الى الحزن يملي حياتي وكنت أفكر بأذية نفسي فعرف والدي بما كنت سأفعله وقال لي كل الكلمات التي قلتها لكي ولولا تلك الكلمات لما استطعت الوصول الى ما أنا عليه فمنذ تلك اللحظة وضعت سلم طموحاتي أمامي وبدأت أصعد عليه درجة فدرجة فكما ترين الان أنا انسانة ناجحة والحمد لله
10
بعد فترة من التفكير قررت مغادرة البلاد, وأردت البدأ بصعود أول درجة من سلم طموحاتي , فعزمت على حمل حقائبي وخرجت من غرفتي ورأيت كلا منهم ينتظرني خارجا , ركضت أم ياسمين نحوي بعينين باكيتين وقالت :لما لا تبقي معنا هنا، أجبتها بابتسامة أمل : سأعود ان شاء الله ولكن ليس بعد ,بعد ذلك ذهبت وسلمت على ياسمين وأنا الوم نفسي كيف لي أن أتركها وحدها ,ثم جاءت ديما وضمتني نحوها بشدة وقالت :أرجو أن تكون سفرة ناجحة يا عزيزتي ,قلت لها :شكرا لكي لولاكي لما استطعت أن أهاجر بخيالي وان أحقق ما حلمت به طوال فترة طفولتي ,قالت :وهل كان لديكي حلم ؟لماذا لم تسعي اليه من قبل ؟ فأجبتها : كان لدي سببان الأول , ألا وهو أني لم أكن أريد ترك والدي وحده لا أحد يرعاه , ثانيا لم يكن هناك من يشجعني على ذلك , لكن الان هناك من شجعني , وهو أنت ,ردت :والان يوجد لكي مهام قلت:وما هي هذه؟ أجابت :عليك أن تبذلي قصارى جهدك حتى تصلي الي النجاح وترفعي رأسك أمام الناس وأنت فخورة بما فعلتي ولكن أريد : أن أسألكي سؤالا! قلت :تفضلي ,فقالت :لما لم تخبريننا ما هي غاية سفرك, بمعنى اخر ماذا ستفعلين خارجا والذي لا تريدين اخبارنا به؟ أجبت: ستعرفون بعد حين ، ولكن أريد تعرفو فقط , أنني لم استطع انتظارالنجاح أكثر ،لذا قررت ان أذهب اليه بنفسي
11
دخلت المطار والسعادة تملي علي حياتي , جلست على احدى مقاعد المطار أنتظر سماع الصوت الذي سيغير كل مجرى حياتي ويخرجني من الماضي , ويضعني في المستقبل الجميل الذي رسمته لنفسي , بعد فترة من التفكير , سمعت صوتا يناديني ,خفت جدا من حالة فشل لربما تحدث معي في أي لحظة , لكنني انتزعت هذا الشعور من داخلي فورا “النداء الأخير ,رحلة رقم 845 والمتوجهة الى كندا , فعلى حضرة الركاب التوجه الى الطائرة من خلال البوابة رقم 3” وما ان سمعت هذا الصوت قمت مسرعة , صعدت الى الطائرة ورأيت أناس من ثقافات مختلفة, حيث أنني بدأت أتحدت مع من حولي وكأنني اعرفهم منذ زمن ,أصبحوا يشعرون بالراحة والسعادة معي وكذلك انا
وصلت الى احدى المدن بالقرب من الجامعة التي سأمارس فيها مواهبي وأطورها ,دخلت الى غرفتي في السكن الجامعي وأنا حاملة كما هائلا من الثقة التي زرعتها بداخلي من أجل نجاحي, ولكن عندما دخلت الغرفة رأيت فتاة بالداخل, عرفت بأنها ستكون زميلتي في السكن ,اقتربت منها ببطىء وقلت لها:مرحبا,أنا سارة ما اسمك أنت؟بقيت أنتظر اجابة منها ,لكن دون جدوى فهي لم تلتفت الي حتى ,وضعت اصبعي على كتفها لكي تلاحظ وجودي ,وما ان فعلت ذلك حتى قامت بفزع دون أن تنطق بكلمة ,دهشت منها كثيرا,ما بها هذه الفتاة يا ترى؟ أهي عديمة الشعور والاحساس؟! ارتفعت نبرة صوتي وأنا أوبخها وهي صامتة في مكانها ,فكدت أن أرفع يدي لضربها لشدة اندهاشي بها
12
بعد دقائق ,شعرت بأن أحد في الغرفة التفت الى الوراء فرأيت فتاة أخرى,صدمت وقلت:من أنتم وما الذي تفعلونه هنا,أجابت الفتاة الثانية:أنت ما الذي تفعلين ,فأنا أسكن هنا منذ يومان أو أكثر,بدأت نظراتي تنتقل بين الفتاتين حتى قلت:اذا كنتي أنتي من يسكن هنا فمن هذه الفتاة اذا,كم أنها عديمة الأخلاق ,فمنذ دخلت الغرفة لم تتكلم معي ولم تنتبه الى وجودي! ضحكت بسخرية وأجابت:أتعلمين أن هذه الفتاة التي امامك وانتي تشتمينها ,لا تسمع ولا تتكلم؟
أخذت نفسا طويلا وأنا اسمع هذه الكلمات وأقول بداخلي”كيف لي أن لا ألاحظ ذلك ,كم أنا غبية” كادت عيني تدمع في تلك اللحظة لكن قبل ذلك قالت لي الفتاة:لا بأس عليكي ,لا تحزني فأنتي لا تعرفين ولو أنكي عرفتي لما فعلت ذلك ,والان أهلا وسهلا بكي هنا,أجبتها:شكرا لتفهمك فأنا أسفة جدا
بعد ذلك فهمت أن الفتاة التي تكلمت معها هي زميلتي في السكن والفتاة الأخرى هي قريبتها وكانت زائرة عندها ذلك اليوم,أصبحنا صديقات حميمات لا نستطيع ان نفرط ببعضنا البعض
13
كنت كل يوم أتحدث طوال الأربع سنوات مع عائلتي ولو لدقائق قليلة ,ولكن في فترة من الفترات انقطعت أخباري عنهم ,فشعروا بالقلق الشديد فليس من عادتي أن أقاطعهم لمدة تسعة أيام,في يوم من الايام طرق أحدهم باب المنزل ففتحت أم ياسمين الباب ورأت بطاقات ملقاة ملقاة على الأرض,التقتطها ودخلت بها ,عندما دخلت رأتها ديما وسألتها :ما هذا؟أجابت: انها بطاقات وجدتها أمام الباب ,تناولت ديما هذه البطاقات من يدها وأخذت تتفحصهما بعينيها حتى وجدت ورقة صغيرة مكتوب عليها” أرجو حضوركم يا أغلى ما أملك, فسعادتي لا تكتمل الا بوجودكم جميعا ” ,قرأت ديما هذه العبارة بصوت عال ,ثم لاحظت وجود أمر غريب وقالت :ان هذه البطاقات ليست من الخارج هذا يعني بأن سارة في البلاد ,قالت لها أم ياسمين :ما هذه البطاقات اذا؟,أجابتها :انها بطاقات لحضورمعرض مجهول ردت عليها أم ياسمين :معرض ماذا؟ قالت: علينا أن نذهب حتى نعرف
14
خرج كل من أم ياسمين وديما وياسمين متوجهين نحو المعرض المجهول, وعندما وصلو رأو قاعة ذات حيطات بيضاء واسعة مليئة باللوحات الفنية ,لكنهم لم يلتفتو اليها كثيرا , لانشغالهم في البحث عن سارة في هذا المكان ,لكنهم لم يروها ,فهمّوا بالخروج حتى رأهم شاب وسيم وقال: لقد رأيتكم من بعيد ولاحظت أنكم تبحثون عن شيء معين , هل بامكاني المساعدة؟ أجابته ديما: بالتأكيد ,فنحن نبحث عن شابة تدعى سارة ,هل عرفتها؟ أجاب مبتسما : بالتأكيد ,فهذا المعرض وكما ترون كله من عمل يدها ,دهش كل منهم وقالو :لا بد من أنك مخطأ,قال لهم : اتبعوني من فضلكم ,لكي أثبت لكم صحة ما قلته, مشت ديما وهي تجر ياسمين وكرسيها وام ياسمين تتبعهم وهي تنظر من حولها تقول لديما:لا أظن بأن سارة لها علاقة بكل هذا الأمر ,ولو كان كذلك لعرفنا ,فهذه موهبة رهيبة ليس من المفروض ان تخفيها ولا تعلمنا بها ,أنا أظن بان البطاقات التي وصلتنا كانت بالصدفة أو عن طريق الخطأ,قاطع الشاب الوسيم كلامها وقال:انتظروني هنا قليلا
15
أثناء انتظارهما لذلك الشاب قالت ديما للأم:أنظري الى هذا المكان كم هو جميل!أتظنين بأن سارة هي من فعلت ذلك؟ ردت عليها قائلة: لا أظن ذلك,ربما أنت على حق ,هذا ما قالته ديما لها ,قالت لهم ياسمين :أنظرو الى هذا الصف من الناس ماذا يفعلون يا ترى؟ أجابتها ديما انهم يحملون كتاب يريدون توقيع من الكاتب عليه ,لا بد من أنه أمامهم لكننا لا نراه , قالت أم ياسمين : يبدو أنه كتاب جميل ” هجرة الى الخيال ” هذا ما قرأته ,قالت ديما فزعة : أمتأكدة من ذلك ؟بالتأكيد قالت ديما: لا أصدق ,هذا المعرض الضخم والجميل لسارة,ردت الأم :كفاكي مزاحا أيتها الفتاة!,ردت عليها ديما : أنا لا أمازحك فهذه الكلمات قلتها لديما قبل أن تسافر,اتبعيني اذن حتى نتأكد
سارت ديما وهن يتبعنها ,حتى رأو سارة متمركزة على كرسي يشبه كرسي الملوك ,وراء طاولة جميلة ,دهش كلا منهم عندما رأوها, فسارة أصبحت رسامة مشهورة وكاتبة أيضا ,أي فنانة بكل معنى الكلمة ,أثبتت للجميع أنه ليس للأحلام حدود والذي ينهي هذه الحدود ويحددها هو أنت ولا شخص غيرك أنت لذا حافظ على تحقيقها,
عرفنا ايضا أن سارة ذهبت لتحقق حلمها ولم تجلس تنتظره في بيتها كعادة الكثير من الأشخاص
16
Published: Mar 23, 2017
Latest Revision: Mar 23, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-276094
Copyright © 2017