الرباعيات اسمٌ لقصيدة منسوبة إلى عمر الخيّام، وهو شاعر فارسي، وعالم في الفَلَك والرياضيات. ولعلها كُتِبَت في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي/ 865 هـ ويأتي العنوان من صيغة الجمع للكلمة العربية رباعية، والتي تشير إلى قالب من قوالب الشعر الفارسي. والرباعية مقطوعة شعرية من أربعة أبيات تدور حول موضوع معين، وتكوّن فكرة تامة. وفيها إما أن تتفق قافية البيتين الأول والثاني مع الرابع، أو تتفق جميع الأبيات الأربعة في القافية.
وكلمة رباعيات تشير، عامة، إلى أي مجموعة من مثل تلك المقطوعات. وتتألف رباعيات عمر الخيام من رباعيات يُفْتَرض أنه ناظمُها، وبمرور السنين، نُسبت إليه أكثر من 2,000 رباعية. في حين أن من المعروف على وجه اليقين أنه نظم أقل من 200 من هذه الرباعيات.
هناك ترجمات عربية لبعض هذه الرباعيات، أشهرها ما قام به الشاعران أحمد الصافي النجفي، وأحمد رامي.
وأشهر ترجمة للرباعيات إلى اللغات الأجنبية هي الترجمة الإنجليزية التي قام بها الكاتب البريطاني إدوارد فيتسجيرالد. وقد نُشرت ترجمة فيتسجيرالد في أربع طبعات أعوام 1859، 1868، 1872، 1879. والطبعتان الأخريرتان تشكل كل منهما قصيدة من 101 رباعية. وتصف القصيدة يومًا بطوله من الفجر حتى المساء، مليئًا بالمتعة والبهجة، وبكثير من الحالات النفسية. وتشكو بعض المقطوعات من قِصر العمر ومن ظُلم الدنيا. بينما تتغنّى مقطوعات أخرى بالزهور أو العشق، أو الربيع، أو الخمر.
ونصف المقطوعات في عمل فيتسجيرالد تقريبًا ترجمات أو إعادة صياغة للرباعيات المنسوبة إلى عمر الخيام. وهناك من يضيف إلى الرباعيات بضع مقطوعات لشعراء فرس آخرين. هذا بالإضافة إلى أن فيتسجيرالد قام بتأليف بضع مقطوعات في الطبعات الأولى من ترجمته.
سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر
نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن
تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر
أحسُّ في نفسي دبيب الفناء
ولم أصَب في العيشِ إلاّ الشقاء
يا حسرتا إن حانَ حيني ولم
يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء
أفق وهات الكأس أنعمُ بها
واكشف خفايا النفس مِن حُجبها
وروّ أوصالي بها قَبلَما
يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها
تروحُ أيامي ولا تغتدي
كما تهبُّ الريح في الفدفدِ
وما طويتَ النفس هماً عَلى
يومين : أمسْ المنقضى والغدِ
غدٌ بِظَهْرِ الغيب واليوم لي
وكم يخيبُ الظنُّ في المقبلِ
ولَستُ بالغافلِ حتى أرى
جمالَ دنيايَ ولا أجتلي
سمعتُ في حلمي صوتاً أهابَ
ما فتَّق النّوم كمام الشبابَ
أفق فإنَّ النّوم صنو الردى
واشرب فمثواكَ فراش الترابَ
قَد مزَّق البدرُ سنَار الظلام
فأغنم صفَا الوقت وهات المدام
واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنا
يسري علينا في طباقِ الرغام
سأنتحي الموتَ حثيث الورود
ويَنمحي اسمي مِن سجِل الوجود
هات أسقنيها يا مُنى خاطري
فغايةُ الأيام طولْ الهجود
هات أسقنيها أيهذا النديم
أخضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم
وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطلى
وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم
إن تُقتلَع مِن أصلِها سُرحتي
وتصبحُ الأغصان قَد جفَّت
فصغْ وعاء الخمَر مِن طينتي
واملأهُ تسرِ الروح في جثتي
لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَر
وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر
وسوفَ أنضو الثوب عنّي ولم
أُدرك لماذا جئتُ ، أينَ المقر
نمضي وتبقى العيشةُ الراضية
وتنمحي آثارُنا الماضية
فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا
وهذه الدُنيا علَى ما هيه
طَوت يدُ الأقدار سفرَ الشباب
وصوَّحت تلكَ الغصون الرطاب
وقَد شدا طيرُ الصبى واختفى
متى أتى . يا لهفا . أينَ غاب
الدهرُ لا يعطي الَّذي نأمل
وفي سبيلِ اليأس ما نَعمَل
ونحنُ في الدُنيا علَى همّها
يسُوقنا حادي الردى المُعجّل
من روائع عمر الخيام في الروحانيات
قصيده رباعيات الخيام
سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر
نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن
تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر
***
أحسُّ في نفسي دبيب الفناء
ولم أصَب في العيشِ إلاّ الشقاء
يا حسرتا إن حانَ حيني ولم
يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء
لكثير من الناس يعتقدون بأنّ الخيام لم يكن إلا شاعراً. والصحيح انه كان من أكبر علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى يومنا هذا.
وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع الـمخروط.
وقد وضع الخيام تقويما سنوياً أدقّ من التقويم السنوي الذي نعمل به اليوم.
و قد فسر البعض فلسفته و تصوّفه على أنه إلحاد وزندقة وأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات لأنّ القلوب أحبّتها وحفظتها من الضياع. غير أن الخيام كان عالماً عبقرياً وملماً ومبدعاً أكثر بكثير من كونه شاعراً . وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حرم الإنسانية من الاستفادة من الإطلاع على ما وضعه في علوم الجبر والرياضيات.
اما الرباعيات فهي مقطوعات شعرية نظمها الخيام بالفارسية وترجع شهرته منذ القرن التاسع عشر إليها، وخاصة بعد أن ترجمها إدوارد فتسجرالد الإنكليزية شعراً. والرباعية مقطوعة شعرية من أربعة أبيات تدور حول موضوع معين، وتكوِّن فكرة تامة. وفيها إما أن تتفق قافية البيتين الأول والثاني مع الرابع، أو تتفق جميع الأبيات الأربعة في القافية. وقد تُرجمت الرباعيات إلى معظم لغات العالم الحيّة، ومنها العربية شعراً ونثراً وبالعامية، وزادت ترجماتها على الخمسين من الفارسية والإنكليزية والفرنسية. وممن ترجمها إلى العربية نثراً أحمد حافظ عوض ومصطفى وصفي التل ومحمد المنجوري وجميل صدقي الزهاوي، وممن ترجمها شعراً اسكندر معلوف ووديع بستاني وعبد الرحمن شكري وعبد اللطيف النشار ومحمد السباعيوأحمد رامي وعبد الحق فاضل وأحمد الصافي النجفي. وتنبغي الإشارة إلى أن يد الفساد والنحل قد لحقت بالرباعيات التي تناقلتها الأيام والسنون، فأصابها الحذف والتبديل والتحوير والزيادة، وأن بعضها اختلط ببعض، وأصبح من المتعذر التمييز بين الأصيل والدخيل. فمن المؤكد أن عدداً غير قليل من الرباعيات مدسوس عليها، حتى إن بعض الباحثين ومنهم أبو النصر مبشر الطرازي غالوا في رأيهم وذهبوا إلى أنها ليست من شعر الخيام. ومن ثم اخْتُلف في عددها فثمة من ذهب إلى أنها لا تتجاوز الأربعين أو الخمسين، وآخرون ذهبوا إلى أضعاف هذا العدد. كما أنها لم تكن مرتبة لكنها رُتبت فيما بعد حسب القافية، فضاع تسلسل أفكار الخيام، ولم تعد تقدم صورة عن تطور فكره وآرائه زمنياً، فاختلط المتفائل منها بالمتشائم، والقدري بالمتصوف، والتقي بالمستهتر، وهي بكاملها تشير إلى نفس قلقة حائرة تبحث عن الهدوء والحقيقة في هذا الوجود. فبرزت نزعة التشاؤم وكثرت فيها التساؤلات حول مصير الإنسان والشكوى والدعوة إلى اللامبالاة، واقتناص الفرص للعيش والنهل من لذائذ الحياة، والعيش في أحضان الطبيعة، وإرضاء النفس قبل إرضاء الناس. وفيها تأثر واضح بلزوميات أبي العلاء المعري وأفكاره، ولاسيما أن الخيام كان يتقن اللغة العربية، وأنه ولد في أيام شيخوخة المعري وإبان شهرته.
لم يقتصر اهتمام الأدباء العرب في العصر الحديث على ترجمة الرباعيات ودراستها والكتابة عن سيرة صاحبها، وإنما التفت بعضهم إلى سيرته فوجدوها مادة غنية للتعبير بوساطتها عن تجارب معاصرة، فاتخذه الشاعر عبد الوهاب البياتي قناعاً في قصيدته الطويلة التي نشرها في كتاب بعنوان «الذي يأتي ولا يأتي»، وفي مجموعته الشعرية «الموت في الحياة»، واستلهم حياته وحولها إلى أسطورة، وخاصة حبه لعائشة، الصبية التي أحبها الخيام حباً كبيراً، لكنها ماتت بالطاعون، ويصفها البياتي بأنها امرأة أسطورية ورمز للحب الأزلي. ويمثل الخيام في قصائد البياتي الإنسان الباحث عن الحقيقة والحرية في كل زمان ومكان، وهو الذي عاش عصراً تفسخّت فيه الحضارة العباسية، وقامت الحروب بين الشرق والغرب، وشهد بعض الخلافات المذهبية العنيفة، لذلك كان البحث عن عائشة سيدة النساء، وعن نيسابور المدينة الفاضلة.
Published: Jan 27, 2017
Latest Revision: Jan 27, 2017
Ourboox Unique Identifier: OB-232924
Copyright © 2017