هنالك ليل
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

هنالك ليل

  • Joined Jul 2022
  • Published Books 3
هنالك ليل by sabren - Ourboox.com

هنالك ليل..

هُنَالِكَ لَيْلٌ أَشَدُّ سَوَاداً… هنالك وَرْدُ أَقَلُّ
سَيَنْقَسِمُ الدَّرْبُ أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْنَا, سَيَنْشَقُّ سَهْلُ
وَيَنْهَدُّ سَفْحٌ عَلَيْنَا, وَيَنْقَضُّ جُرْحٌ عَلَيْنَا، وَيَنْفَضُّ أَهْلُ
سَيَقْتُلُ فِينَا القَتِيلُ القَتِيلَ لِيَنْسَى عُيُونَ القَتِيلِ … وَيَسْلُو
سَنَعْرِفُ أَكْثَرَ مِمَّا عَرَفْنَا، وَنَبْلُغُ هَاوِيَةً بَعْدَ هَاوِيَةٍ حِينَ نَعْلُو
عَلَى فِكْرَةٍ عَبَدَتْهَا القَبَائِلُ ثُمَّ شَوَتْهَا عَلَى لَحْمِ أَصْحَابِهَا حِينَ قَلُّوا
سَنَشْهَدُ فِينَا أَبَاطِرَةً يَحَفِرُونَ عَلَى القَمْحِ أَسْمَاءَهُم كَيْ يَدُلُّوا
عَلَيْنَا. أَلَمْ نَتَغَيَّرْ؟ رِجَالٌ عَلَى دِينِ خِنْجَرِهم يَذْبَحُونَ، وَرَمْلٌ لِيَكْثُر رَمْلُ
نِسَاءٌ عَلَى دِينِ مَا بَيْنَ أَفْخَاذِهِنَّ وَظِلَّ لِيَصْغرَ ظِلُّ…
وَلَكِنَّنِي سَأْتَابعُ مَجْرَى النَّشِيِد, وَلَوْ أَنَّ وَرْدِي أَقَلُّ

* هذه القصيدة من ديوان محمود درويش، المجلّد الثاني، الطبعة الاولى، 1994، دار العودة بيروت.

3

نبذة عن الشاعر

يعتبر محمود درويش من أبرز الشعراء الفلسطينيين واشتهر بكونه أحد أدباء المقاومة، وحملت الكثير من قصائده القضية الفلسطينية فلُّقِب بشاعر الجرح الفلسطيني.

وُلِدَ عام 1941 بقرية البروة ثم انتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 1948 وعاد إلى فلسطين بعدها بسنتين متخفيًا ليجد أن قريته قد دُمِرت، فعاش في قرية الجديدة ثم انتقل في شبابه إلى موسكو للدراسة، وذهب ليعيش في القاهرة ومنها إلى بيروت ثم تونس وباريس، قبل أن يعود ليعيش أواخر حياته في مدينة عمان الأردنية ورام الله الفلسطينية.

لمحمود درويش أكثر من 30 ديوان شعر ونثر و8 كتب، وتميز شعره بالوطنية حتى لقبوه بشاعر فلسطين وفي الوقت نفسه بالرومانسية والحنين الدائمين والحب، سواء كان حب الوطن أم غيره.

ساهم محمود درويش في تطوير الشعر العربي الحديث .

4

5

6

العنوان ما قبل القراءة :

العنوان جملة اسميّة، مكوّن من مبتدأ وخبر، الخبر تقدّم على المبتدأ لكونه وعاء مكانيّا، بينما المبتدأ نكرة، والتّنكير يمدّ المعنى إلى أقصاه ويمنحه الشّموليّة، فقد يسأل متسائل : لماذا قال هنالك ليل ولم يقل : هناك ليل ؟ ” هنالك ” ظرف مكان، يختلف عن ” هناك”، ونلحظ أنّه استخدم لام البعد لغاية في نفس الشّاعر.

ليل: اسم زمان مختصّ، إلّا أن تنكيره جعله مبهما، وبذلك يكون العنوان قد خلق بعدا زمكانيّا، فشاعرنا استخدم بعدا مكانيّا مرفقا معه البعد الزّمانيّ أيضا، فبدا التّلاحم بين الزّمان والمكان جليّا واضحا.

(..) النّقطتان تدلّان على أنّ الكلام مستقطع وفيه حذف، أي أنّ العنوان جملة غير تامّة ، وقد تكون القصيدة بأكملها قرينة ليتسنّى للقارئ استبدال النّقطتين بالعبارة الّتي تتلاءم وتتواءم والسّياق .

7

   المعنى الدّلاليّ:

“هنالك” : تدلّ على مكان، واللام الّتي سبقت الكاف جعلت المكان بعيدا، فالتّغيير في المبنى تغيير للمعنى، فهذه الّلام أضفت معنى البعد لتعبّر عن غربة ووحشة ووحدة أو بعد الضّالة المنشودة عن السّاعي إليها، حيث أنّ الطرّيق طويلة وتستلزم وقتا للوصول إلى حماها.

ليل: تتضمّن هذه الكلمة العديد من الدّلالات، فقد تدلّ على الرّومانسية، الحبّ، الشّوق، الخيال والأحلام، أو على الهدوء واسترسال الأفكار. وقد يقول اخر بإنّ الليل عبارة عن ظلمة سوداء، عدم وضوح، فقدان الحقيقة، غموض وإبهام، خوف.

والليل في الشّعر قد يرمز إلى المعاناة والألم والظّلم بينما ومن جانب اخر، فإن أشدّ ساعات الليل حلكة تلك الّتي تسبق بزوغ الفجر بساعة، وبدون الليل لا يكون نهار.

“..” ( النّقطتان ) : تدلّ على أن الكلام مستقطع، أي أنّ العنوان غير مكتمل ولربما تكون التّتمّة في القصيدة

8

العنوان خلال القراءة :

هذه القصيدة مأخوذة من ديوان ” ورد أقلّ ” ، هذا الدّيوان صدر سنة 1986 قبيل اندلاع الإنتفاضة الأولى بعد الإجتياح الإسرائيليّ للبنان، عدد القصائد في هذا الدّيوان تسع وأربعون قصيدة، جميعها تبدأ بالعنوان نفسه. غالبيّة هذه القصائد نظمت على هيئة نص نثريّ كما في القصيدة الّتي أمامنا، ويحتلّ فيها ” أنا” المتكلّم حيّزا ملحوظا، وكأنّه سخّر نفسه للحديث باسم الاخرين .

يرتبط العنوان ارتباطا مباشرا مع اسم الدّيوان ” ورد أقلّ ” ، فاسم الدّيوان مذكور في السّطر الأوّل من القصيدة كما أنّ الشّاعر قد ختم قصيدته به، وهذا ما يجعلنا نمعن النّظر في العنوان نظرا لأهميته .

سطور القصيدة تباعا تزيل ستار الغموض عن عنوانها وتحملّه من المعاني السّلبيّة الكثير، بحيث بدا المكان المبهم موحشا مظلما معتّما وهذا ما يدحض كلّ تأويل تفائليّ عن الليل .

9

القراءة الاستكشافية:

نلاحظ أنّ الشّاعر استهلّ قصيدته بعنوانها، والعنوان هو جملة اسميّة تقريريّة.

النّص عبارة عن مقطوعتين، المقطوعة الاولى عبارة عن تسعة أسطر، بينما المقطوعة الثّانية سطر شعريّ واحد.

يطغى الفعل المضارع المسبوق بسين التسويف على أسطر القصيدة(سينقسم، سينشق، سنشهد، سنعرف..)، والمضارع يدلّ على ديمومة واستمراريّة أمر ما ، وهذه ال ” ما ” تدلّ على ابهاميّة وغموض مؤقّتا، ولكنّنا لاحقا سنخوض بها خوض الجسور لا خوض الجبان الحذور .

 وجود النّص بهذا الشّكل يدّل على الاندفاع للأمام وعدم التّوقف عند القراءة نوعا ما، هذا مئشار يؤكّد وحدة النّص، نلاحظ وجود الفواصل بين الجمل، وهنالك تساؤل ، نرى علامة استفهام واحدة ، ثلاث نقاط تكرّرت ثلاث مرّات، استخدام حروف العطف، سين التسويف ( سينقسم، سينشق، سنشهد، سنعرف) وصيغة أفعل التفضيل ( أشدّ، أقلّ).

تنتمي هذه القصيدة للشّعر الحر ووفق تفعيلاتها فهي من البحر المتقارب، القافية ليست عبثيّة بل جاءت لتؤدّي وظيفة معيّنة، واعتقد جازما أنّ تقييدها لإضفاء الحزن والمأساة والألم.

10
هنالك ليل

القراءة المنظّمة:

هنالك ليل أشدّ سوادا… هنالك ورد أقلّ

الشّاعر يستهل قصيدته بالعنوان، وهذا ما يميّز ديوان ” ورد أقلّ ” ، إذ جميع القصائد تبدأ بعناوينها.

ليل : ذكرنا سابقا أنّ هذه الكلمة قد تحمل دلالات مختلفة ولكن وصفها ب ” أشدّ سوادا ” انتزع  منها الرّومانسيّة والحب وتدفّق الخيال.. فهذا الّليل حالك السّواد دلالة على اليأس من كلّ ما قد يبدّد حلكته.

لقد استعمل الشّاعر صيغة أفعل التّفضيل ” أشدّ ” وذلك للمفاضلة والمقارنة، حيث أن واقع الشّاعر أسود وغامض ولكن لديه رؤية بأنّه سيصل لا محالة إلى مكان وزمان أشد سوادا من واقعه المعيش.

(…) : استخدامه للنّقاط الثلاث يدل على عدم تكملة الجملة، ليتيح للمتلقّي اختيار مفضل عليه في جملة المفاضلة يروق له، ولربّما أراد القول : هنالك ليل أشدّ سوادا من ليلي الأسود.

هنالك ورد أقلّ: الشاعر يسترسل في وصف الزمكان، ففيه سيكون ورد أقلّ، والورد يوحي بالأمل، الجمال، والحب…

ومرّة أخرى يستعمل صيغة أفعل التفضيل ” أقلّ ” التي تقزّم من دلالات الورد انفة الذكر، الّا أنّ الورد على قلّته فيه من الأمل ما فيه، الأمر الّذي يخفّف من وطأة وحدّة الّليل، فلو ربطنا بين ” أشدّ سوادا ” و ” ورد أقلّ ” لاستشعرنا بارقة أمل أو نورا في نفق .

12

سينقسم الدّرب أكثر ممّا رأينا، سينشقّ سهل

استخدم التسويف، وهذا دليل على أنّه يتحدّث عن المستقبل وأنّ الوضع القائم صعب والمستقبل سيكون أصعب، هذا التوجّه فيه رؤيا وتنبّؤ، فشاعرنا يقرأ أحداث مستقبليّة ليس لأنه نبيّ ( الرؤيا تكون للأنبياء )، بل لأنّ أحداث الحاضر مؤدّاها الحتميّ هو الانقسام . والانقسام، تشرذم وتشتّت وبعد عن الوصول للأرب وفقدان للبوصلة، وإذا عصفت رياحه بقوم، فإنّها لا تبقي ولا تذر

الشّاعر يقول بنبرة لا ينقصها اليقين أنّ الدّرب سينقسم أكثر، واستعمل أكثر ليعبّر عن تشاؤم جرّاء انقسام الدّول العربيّة وانشقاقها أو انقسام الشّعب وتشتّته.

سينشقّ سهل : ذكرت سابقا أنّ الدّرب طرفاه متقاربان وإن بعدا، ولكن هذا الدّرب لكثرة التّفرّع والتّشرذم والانقسام سيصبح سهلا يتسم بالاتّساع، الأمر الذي يدلّ على اتّساع الهوّة وفقدان القدرة على التجسير بين أطرافها.

13
هنالك ليل by sabren - Ourboox.com

وينهدّ سفح علينا، وينقضّ جرح علينا، وينفضّ أهل

لدينا تضمين لغويّ باستخدام حرف العطف ليربط بين الفكرة التي ذكرت في السّطرين الشّعريين السابقين وهذا السّطر، وذلك من أجل إتمام هذه الفكرة، وأيضا دلالة على استمراريّة وتراتبيّة، وكذلك من أجل المقارنة بين ما كان والان.

نلاحظ استخدام الشّعر لكلمات تحمل دلالات سلبيّة ( سينشقّ، سينهدّ، ينقضّ، ينفضّ )، وهذه كلّها أفعال مضارعة للدّلالة على الاستمراريّة ، كذلك نلاحظ عدم وجود الفاعل، وقد يسأل متسائل : هل كلّ ذلك سيحصل بفعل الطّبيعة ؟ أم أنّ هنالك أيدي خارجيّة ( فاعل مجهول وخفي ) تساهم في هذا الانشقاق والانقسام ؟

يبهدّ سفح : كأنّه يوجد زلزال ممّا يجعل الجبال تنهار على رؤوس الموجودين الأمر الذي يؤدي للقتل وهدم البيوت .

علينا: يتحدّث بصيغة المتكلّمين ( صوت الجماعة )، ليدلّ على أنّه جزء لا يتجزّأ من الأحداث، يشارك فيها ويعايشها، يتحدّث عن معاناته ومعاناة شعبه عن واقع مرير

15

نشعر بوجود حوار لكن من طرف واحد، فهو يتحدّث ويخبّر عن رؤيته للمستقبل وهم يستمعون له دون إحداث أيّة ردّة فعل، مرّة اخرى استخدم الفاصلة ليتيح للقارئ تصوّر الحدث عندما ينهدّ سفح، الكوارث والضّحايا الّتي تنجم عن ذلك.

ينقضّ جرح علينا : وضعها بين فاصلتين ليدلّ على أهميتها وسلبيتها في ان واحد.

إنّ استخدامه للاستعارة يزيد من حدّة الوصف والتّأثير، فعمليّة الانقضاض هي لغير الانسان، عمليّة حيوانيّة شرسة، فالشاعر يشبّه الجروح بالحيوان الذي ينقضّ ويهجم على فريسته دون رحمة ودون اعطائها فرصة للهرب، فعمليّة الانقضاض يكون قبلها ترقّب ومتابعة ورصد لتحركات الفريسة حتى تتقن، وهذا يدلّ على أمر سيئ سيحصل دون سابق إنذار.

ومن دلالات الجرح، المأساة والألم ، وهذا الجرح سيلازمهم، ونجد أنّ لا خيارات أمامهم، الجرح سينقضّ دون استئذان، هذا الجرح ربما يكون جرحا نفسيا أو جسديّا يشمل الدمار والدماء، التّشرذم والانقسام، بهذا الجرح تتزعزع جميع الأفكار والمبادئ، يتخلّى الشّعب عن هويته وهدفه .

يستخدم مرّة اخرى واو العطف ليجسدّ ويؤكدّ الفكرة ويجعلها واحدة متسلسلة، عمليّة الانقضاض تجعل الجسد كلّه يرتعد.

الأفعال بصيغة المضارعة دلالة على الاستمراريّة.

16

سيقتل فينا القتيل القتيل لينسى عيون القتيل… ويسلو

ما زال يتحدّث عن رؤيته المستقبليّة، معتبرا أنّ كل واحد من أبناء هذا الوطن هو قتيل، وقتيل هي صفة للمفعول من الفعل قتل.

لم يذكر القاتل في هذا السّطر الشّعريّ، إلّا أنّه مجرد من الاحاسيس وعديم الرّحمة، مستبدّ وطاغية، وبعيد سنة ضوئيّة عن الانسانيّة، القتل عادته ونهجه وديدنه ومن ممارساته اليوميّة.

(…) هذه النقاط الثلاث تعطي القارئ فسحة من الزّمن ليتخيّل المشهد المريع أمامه، فالعدوّ يضطهد وينكّل بالأبرياء، ترى مشهدا دراميّا بحتا، هذا المشهد من شأنه أن يستفزّ ويثير القارئ، أين ردّ الفعل ؟ لماذا الاستسلام والخنوع ؟ وإلى متى سنبقى أموات ؟ أي أنّ الشّاعر يحاول أن ينفث روح التفاؤل والمقاومة في الأحاسيس الميّتة ممّا يجعل النّص ثوريّا .

17

سنعرف أكثر ممّا عرفنا، ونبلغ هاوية بعد هاوية حين نعلو

استخدامه مرة اخرى للتّسويف من أجل القول : إنّ هناك أمورا عرفناها لكنّنا سنعرف المزيد، نلاحظ بأنّ للشّاعر رؤية مستقبليّة سوداويّة سلبيّة.

وجود الفاصلة يجعلنا نحلّق في سماء التأويلات والتّساؤلات: ماذا عرفوا : وماذا سيعرفون ؟

تكرار كلمة ” أكثر ” دلالة على مقارنة ومفاضلة بين أمرين، وهذا يعيدنا إلى العنوان وإلى السطر الأوّل عندما قال : ” هنالك ليل أشدّ سوادا ” ، كذلك نرى بكلمة أشدّ مفاضلة ومقارنة.

نبلغ هاوية: يوجد إرداف خلفيّ : مزج بين مفردات أو مفردتين من حقلين دلاليين متناقضين، فالبلوغ هو الوصول إلى القمّة أو إلى الهدف بينما الهاوية تعني السّقوط.

البلوغ : يحمل معنى ايجابيّا ولكن اقترانه مع الكلمة ” هاوية ” وملازمته لها يحوّل المعنى إلى سلبيّ، نبلغ هاوية تلو الأخرى .

لدينا تضمين معنويّ مع البيت الّذي يليه :

18
هنالك ليل by sabren - Ourboox.com

على فكرة عبدتها القبائل ثمّ شوتها على لحم أصحابها حين قلّوا.

نبلغ الهاوية تلو الهاوية عندما نكشف ونفضح فكرة عبدتها القبائل، عندما نكشف السّياسات المبطّنة والمقنّعة.

مرادفات الخنوع للاّفكار القبليّة.

القبليّة لها تداعيات عدّة، أشهرها ذكرا وأعلاها سنا، البدائيّة وعدم التّوافق بين مفهومها ومفهوم الدّولة، حيث أنّ درويش نفسه قال في قصيدة ” إن أردنا ”  من ديوان ” أثر الفراشة ” :

” سنصير شعبا حين ننسى ما تقوله لنا القبيلة..”

شبّه الفكرة بشيء يشوى، والفكرة هي الطّاعة والامتثال لأوامر حاجب السّلطان والسّلطان، وعندما قلّ عبدة هذه الفكرة وثاروا وأبوا أن يكونوا رؤوسا مطأطئة لدكتاتور عربيّ مثقل صدره بالنّياشين وأوسمة انتصارات لم تحدث، أبوا ورفضوا هذا العرف البغيض واشرأبّت أعناقهم للكرامة والمساواة والقيم الانسانيّة بعث بهم للموت والهلاك .

20
هنالك ليل by sabren - Ourboox.com

سنشهد فينا أباطرة يحفرون على القمح أسماءهم كي يدلّوا

أرى بالأباطرة الزّعماء العرب الّذين نقشوا أسمهم حتى على القمح كي يحسب الشّعب المطحون أنّ الرزّاق هم وليس اللّه، وسبيلا للخلود، فالحاكم العربيّ لا يريد أن يموت، يريد أن يتحدّى نواميس الكون، وإذا مات فأثره بالغ وواضح، وكأنّه في قبره يقول لهم: من كان يعبد هذا البلد فإنّ البلد قد مات، أمّا الذي كان يعبدني فأنا خالد لا اموت.

أرى في هذا السطر  [ والّذي فيه تضمين مع البيت الّذي يليه ] تلميحا واضحا لتناص، فحفر أسماء الأباطرة على القمح كي يدلّوا علينا يذكّرنا بيهودا الاسخريوطيّ، حواريّ المسيح، الّذي باعه لليهود وأسلمه مقابل ثلاثين قطعة من الفضّة [ في العشاء الأخير ]،

فبهذا الثّمن البخس خانه وقتله قبل أن يقتلوه هم، فبخيانته أراد أن يقول له : كفى، اذهب، دعنا نعيش بعارنا ونموت فيه، لا فائدة فيما تفعله، المال والسّلطة قلعتان لا تستطيع أنت بمعجزاتك أن تهدمها.

اعتقد جازما أنّه تصريح أكثر مما هو تلميح أن الموسوم بالخيانة هو الزّعيم العربيّ الّذي يتامر مع القاصي والدّاني على شعبه ليبقى متربّعا على عرش السّلطة.

22

علينا. ألم نتغيّر؟ رجال على دين خنجرهم يذبحون، ورمل ليكثر رمل

نساء على دين ما بين أفخاذهنّ وظلّ ليصغر ظلّ

ألم نتغيّر ؟ استفهام بلاغيّ يدلّ على الغضب الّذي يعتريه، متّصلا بالسّياق السّابق واللاحق لغويّا ودلاليّا، الهدف من توظيفه اثارة الاخر وتحفيزه على القيام بأمر ما، نشعر بصرخة ” الأنا ” المتكلّم قائلا : ثوروا، تمرّدوا لا تبقوا خاملين.

يتحدّث هنا على الذّبح وسفك الدّماء على خلفية شرف العائلة، فالرّجل إذا ما ظنّ أن الفتاة شوّهت نقاء وصفاء شرف العائلة فدينها الحتميّ : الخنجر، وما أكثر الضّحايا ! وعبّر عن الكثرة بالرّمل، أو لربّما دماء هذه الضّحايا أرخص من الرّمل .فالعربيّ لا يتنافخ شرفا إلّا بمثل هذه الحالات.

ما زال هذا الجهل المرتبط بالقبائل متأصّلا في النّاس، فالشاعر يصرخ ألما، يريد التّغيير والتّخليّ عن البدائيّة والرّجعيّة والتخلّف.

استعمل الظلّ لأنّ الظلّ صورة معكوسة عن واقع لا نرى فيه التّفاصيل والملامح الحقيقيّة.

23

ولكنّني سأتابع مجرى النّشيد، ولو أنّ وردي أقلّ

هذا السّطر الأوّل والأخير من المقطع الثّاني، نسمع صوت الأنا الشّاعر المتفائل الّذي يقول : سأتابع طريقي ومقاومتي رغم كلّ الصّعاب الّتي مررت بها وأمرّ بها، هنا تحدّث بضمير المتكلّم وليس المتكلّمين، وكأنّهم لا يريدون المقاومة والتّغيير، لذلك تحدّث عن نفسه هو .

مجرى النّشيد : هذه الجملة وما تحويه من كلمات داخلها تدلّ على الاستمرار والتّتابع، على التّجديد المتمثّل في الاستعارة، فالشّاعر نسب عمليّة الجريان للنّشيد مع أنّ النّشيد يغنى. كلمة جريان توحي بجريان الماء الذي يدلّ على الحياة، ربّما قصد أنّه سيستمرّ في المقاومة في كتاباته عن الهويّة والوطن رغم كلّ الصعاب رغم أنّ ورده أقلّ، فالورد هنا قصد به الأمل.

نلاحظ عدم وجود نقطة في نهاية القصيدة، ممّا يجعل النّهاية مفتوحة أمام القارئ. ربّما لم يجد الكلمات الّتي تعبّر عن الأمل الّذي يريده ، وما زالت القضيّة مفتوحة ومتفرّعة لم تصل إلى المصبّ المنشود.

24

ما بعد القراءة :

يمتاز النّص بكونه نصّا نثريّا فيه سرديّة معيّنة للأحداث، ورؤيا مستقبليّة، نسمع صوت الأنا المتكلّم السّارد للأحداث والرّافض لها،

يمتاز هذا النّص بالوحدة الموضوعيّة، فهو عبارة عن قطعة متماسكة . القصيدة تدور حول موضوع واحد، هو البعد المكانيّ عن الوطن، ويطرح هذه القضيّة بصوت جماعيّ، الجمل قصيرة تفصل بينها علامات ترقيم : النقطة، الفاصلة والاستفهام.

وقفت أمام الكثير من الأسطر الشّعرية مطولّا لأمنحها تأويلا وتفسيرا يتناسب مع العنوان وروح الفترة الّتي كتبت فيها، وتبادر إلى ذهني الكثير من الأفكار، اخترت أحسنها وأقربها لواقع درويش ابّان تلك الفترة للقضيّة متجاهلا نظريّة موت المؤلّف في الشّعر الحداثيّ .

مفردات القصيدة بسيطة لكنّها مشحونة بالعواطف والرّفض والغضب، والقافية السّاكنة جاءت لتخدم سوداويّة وحلكة الليل والورد الأقل في رؤيا شاعرنا المستقبليّة عن زمان ومكان غير محدّدين ، والله وليّ التّوفيق.

25

مقتطفات من اعمال القدير محمود درويش

القصيدة الرقمية

26

المراجع

1. كتاب : الدر المنثور في تحليل قصائد العصور : تأليف بدرية بنت عبد الله الرشيد ومشاركة : أمينة الحمادي وسلطانة البداح !

2.https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D8%AF%D8%B1%D9%88%D9%8A%D8%B4

3. كتاب : فن الشعر العربي الحديث / تحليل وتذوق. د.إبراهيم عوض :

4.كتاب تحليل القصائد : الطريقة والمنهج لفضل العماري :

5.https://www.youtube.com/watch?v=ZNcRKIiNqPw

27
This free e-book was created with
Ourboox.com

Create your own amazing e-book!
It's simple and free.

Start now

Ad Remove Ads [X]
Skip to content