سمر في السجن

أتذكّر….إنّي أتذكّر…

الدامون…لياليه المرّة … والأسلاك

والعدل المشنوق على السور هناك

والقمر المصلوب على….

فولاذ الشبّاك

ومزارع من نمش …أحمر

في وجه السّجان الأنقر

أتذكّر…إنّي أتذكّر

لمّا كنّا في أحشاء الظلمة نسمر

في الزّنزانة…في الدامون الأغبر

نتنهّد لمّا نسمع قصّة حبّ

نتوعّد عند حكاية سلبٍ

ونهلّل عند تمرّد شعبٍ

يتحرّر

ونحدّث عن صلف الأقزام

عن شعب لم يحنِ الهامة للظلاّم

عن بطنٍ جائعة …قدم حافية …وعظام

عن عزم يتوثّبّ

في وجه الشعب الأسمر

عن أملٍ في عينه يتنمّر

عن بسمته الأقوى من جور الأيام

عن يوم يشبُّ ويكبر

ونحدّث … عن غدنا

عن دنيا من حب وسلام

وحدائق من ورد … ومن عنبر

وجداول من سكّر

أتذكّر … إنّي أتذكّر…

لمّا كنّا في أحشاء الظّلمة نسمر

وربابة إبراهيم تُعمّر

تحكي …عن عبس…عن عنتر…

عن عبلة….عن سالفها الأسمر

عن جسّاس…

وأبو زيدٍ…

ودياب…

وعن التّغريبة…والأحباب الغيّاب…

وعن البطليْن…كأنّهما جبلان…

وعن السّيف المصقول…

أبي الحدّين

وعن العشاق…عن الحب الأخضر

ويشيب الليل على الكرمل

وتنام ربابة إبراهيم…تنام

وينام على برشٍ من ريش نعام

ونظلّ نحدّق في ليل الأقزام

في صمتٍ…

نتحدّى القضبان…

ومفتاح السّجان…

وعيون السّجان الزرقاء…

وشاربه الأشقر…

يا شعبي…

يا عود النّدّ…

يا أغلى من روحي عندي

إنّا باقون على العهدِ

لم نرضَ عذاب الزنزانة

وقيود الظلم وقضبانه

ونقاسِ الجوع وحرمانه

إلاّ لنفُكَّ وثاق القمر المصلوب

ونعيد إليك الحقّ المسلوب

ونطول الغد من ليل الأطماع

حتى لا تُشرى وتُباع
حتّى لا يبقَ الزورق …دون شراع ! ! ..

يا شعبي يا عود النّدّ

يا أغلى من روحي عندي

إنّا…باقونَ…على العهدِ……

نبذة عن الشاعر توفيق زيّاد

ان توفيق أمين زيّاد شاعراً وكاتباً فلسطينياً، ولد توفيق زياد في   مدينة الناصرة عام 1929 وتوفي في 5 يوليو 1994 بحادث طريق مروع وهو في طريقه لاستقبال ياسر عرفات عائداً إلى أريحا بعد اتفاقيات أوسلو، شغل منصب رئاسة بلدية الناصرة حتى وفاته.

درس أولاً في الناصرة ثم ذهب إلى موسكو ليدرس الأدب السوفييتي. شارك طيلة السنوات التي عاشها في حياة الفلسطينيين السياسية داخل الأرض المحتلة، وناضل من أجل حقوق شعبه. كان عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكاح، وأصبح عضواً في الكنيست الإسرائيلي لأكثر من دورة انتخابية ممثلاً عن حزب راكاح، كما كان لفترة طويلة وإلى يوم  وفاته رئيساً لبلدية الناصرة 

مناسبة القصيدة

تحدث الشاعر توفيق زيّاد في قصيدة (سمر في السجن) عن تجربته المؤلمة في سجن الدامون، حيث تتناسب كلماتها المتماوجة مع دلالالتها، وأبعادها العاطفية، فالقصيدة تروي معاناة شاعرنا ورفاقه وأحلامهم المشتركة البعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني المقاوم  والمناضل ضد كل ممارسات الذل والهوان والظلم
وقصيدة «سمر في السجن» كتبها بعد انتفاضة أيّار سنة 1958م حيث تمّ الحُكم عليه بالسجن

ستّة أشهر وتحكي عن تجربته في سجن «الدامون» من خلال استدعاء الذاكرة لمراراته

يتذكّر الشاعر رؤيته للقمر من خلف القضبان حيث الأسلاك الشائكة تحاصرهم من كلّ اتّجاه، اشتياقه ورفاقه لقصص الحبّ والأيّام الجميلة، يتحدّث عن بطولات أجداده العريقة، ويتحدّث أيضًا

عن ظلم المحتلّ

يتذكّر «زيّاد» في هذه القصيدة ليالي السمر التي كانت تجمعهم على ألحان جميلة تعزفها أنامل إبراهيم على ربابته، حتّى يناموا من تعبهم وإرهاقهم على أسرّة خشبية تخيّل إليهم أنّها أسرّة مصنوعة من ريش نعام، متحدّين بذلك جبروت السجّان

في المقطع الأخير يجدد الشاعر وعده وإصراره على العهد، بمواصلة النضال والكفاح والتضحية بكل ما هو غالٍ استخدم شاعرنا في القصيدة وحدة التفعيلة ولم يلتزم بقافية واحدة، كما اعتمد  على الرموز والحكايات الأُسطورية في كتابة هذه القصيدة

https://e3arabi.com

شرح القصيدة 

السّمر : تبادل أطراف الحديث ليلا 

العنوان يدل على توحّد الأسرى داخل سجون الاحتلال ومقاومتهم للاحتلال ، وأملهم في الحرية

الدّامون : اسم أحد السجون الإسرائيلية التي التي يعتقل فيها الاحتلال الإسرائيلي المناضلين العرب ، يقع شمال فلسطين بين حيفا والكرمل ./ الأغبر : القديم . / التّنهد : التنفس من صدره حزنا وألما

التوعد : التهديد / التهليل :الفرح

 بدأ الشاعر قصيدته بالتذكّر يتذكر الشاعر ظلمة الليل والأحاديث التي كانت تدور بينه وبين زملائه في الزنزانة في سجن الدّامون القديم

ما هي الأمور التي كانوا يتحدثون فيها ؟

• أمور العشق والحب التي أصبحت من الماضي
• التهديد والوعيد للمحتل الذي يسلب الفلسطيني كلّ شيء

الفرح عند سماعهم لمقاومة الشعب ومحاولة التّحرّر

الصّلف : التّكبر والعجرفة / لم يحنِ : لم يطأطئ / العزم : الإرادة والصبر والثبات / جَوْر : ظلم .

– بمَ تحدثواعن  أعداء شعبهم ؟ وما دلالة ذلك ؟

     تحدثوا عن قسوة المحتل وتكبّره ، ووصفوهم بالأقزام ، دلالة على احتقارهم وقلة شأنهم .

– بمَ تحدّثوا عن أبناء شعبهم ؟

أ- تحدثوا عن مقاومة الشعب ورفضه للذّل والاستسلام .

ب- كما تحدثوا عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب في ظل الاحتلال .

ج- تحدثوا عن  العزيمة القوية  للشعب هذه العزيمة التي تبقيه صامدا مستعدا لمقاومة أعدائه .

( الشعب الأسمر ) إشارة إلى الشعب الفلسطيني الذي يتميز بالبشرة السمراء .

د –  تحدثوا عن أمل الشعب الفلسطيني في نيل حريته . فهو شعب مستعد دائما للقتال يحمل طباع النمر في قوته وطباعه .

هـ- تحدثوا عن تحدي الشعب الفلسطيني وصموده أمام ظلم المحتل وأملهم في أن يأتي ذلك اليوم الذي ينال فيه الشعب حريته .

 و- تحدثوا عن مستقبل الشعب الفلسطيني ووجهة نظرهم في ذلك المستقبل ، وهي نظرة تفاؤل حيث أنّه مستقبل مليء

    بالحب والأمن والسلام ، مستقبل مشرق جميل صاف ، مستقبل خالٍ من المرارة والظلم .

• ما المقصود بقول الشاعر : (( عن التغريبة .. والأحباب الغيّاب ))

المقصود بها هجرة الفلسطينيين القسرية عن أراضيهم عام 1947 .

• ما الأمور الأخرى التي تناولها إبراهيم في غنائه ؟

• ( تحدّث في غنائه عن الحب الأخضر ( الحب الصادق الصاف

– بماذا تربط أغاني إبراهيم ؟

 ترتبط أغاني إبراهيم بالتراث العربي القديم المليء بالبطولات والتضحيات إشارة إلى أنّ الشعب

الفلسطيني بحاجة لأمثال هؤلاء الرجال في واقعنا الذي نعيشه تحت الاحتلال

النَّـدَّ : ضرب من النبات يتبخر بعوده  / وثاق : رباط

من يخاطب الشاعر في هذا المقطع ؟ يخاطب الشاعر شعبه

بمَ يصف الشاعر شعبه ؟ وعلامَ يدل ذلك ؟

يصف الشاعر شعبه بعود النَّدِّ الذي يتبخر بعوده ،الذي تظهر رائحته الزكية عندما يتعرض للحرارة والنار  دلالة على السمعة الطيبة التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني .

ماذ أعلم الشاعر شعبه في ضوء تجربته في السجن ؟ 

      أخبر الشاعر شعبه بأنّه أغلى من روحه ،وأنّ الأسرى باقون على عهدهم الذي قطعوه على أنفسهم ألا وهو المقاومة حتى نيل الحرية . وأنّهم سيتحملون كل الظلم والعذاب والحرمان ليعيدوا لهذا الشعب حريته وأرضه التي سلبها منهم الاحتلال رمز بالقمر المصلوب للحرية التي قيدها الاحتلال

مميّزات القصيدة من خلال الشعر الحر

الإيقاع- لقد قام «توفيق زيّاد» ببناء إيقاع موسيقي في القصيدة أعطى المتلقّي من خلاله الإحساس

بالحزن والتعاطف. ونجد الإيقاع من خلال الوزن في القصيدة حيث أنّ الشاعر اعتمد على وحدة التفعيلة وكذلك من خلال القافية حيث أنّه لم يلتزم بقافية واحدة.

أتذكّر…إني أتذكّر

لمّا كنّا في أحشاء الظلمة نسمر

في الزنزانة…في “الدامون” الأغبر

نتنهّد لمّا نسمع قصّة حب

نتوعّد عند حكاية سلب

التكرار- إنّ التكرار يولّد سحرًا لدى المتلقّي وهو يعتبر خاصّيّة فنّيّة في النصّ الشعري. وفي

القصيدة لدينا تكرار الكلمة، مثل: أتذكّر… إنّي أتذكّر… ولدينا أيضًا تكرار العبارة، مثل: أتذكّر…إني أتذكّر الغرض هو امتداد زمن التّذكر ، والتأكيد على ظلمة الزنزانة  في سجن الدّامون

.

اللغة- تتميّز لغة الشعر الحرّ بأنّها بسيطة وذات طاقة إيحائيّة تجذب القارئ وبعيدة كلّ البعد عن الخطابيّة حيث أنّ الشاعر في قصيدتنا استخدم لغة سلسة، قريبة من واقعنا ويعبّر بها عن تجربته الخاصّة وخصوصًا أنّه قد نوّع في القوافي.

الشكل الطباعي والهندسي- اتّخذ الشعر الحرّ شكلًا طباعيًّا جديدًا ومختلفًا، فنجد أسطرًا شعريّةً متفاوتةً من حيث الطول والعدد وهذا ما يحقّق الانسجام الإيقاعي.

عن بطنٍ جائعة …قدم حافية …وعظام عن عزم يتوثّب في وجه الشعب الأسمر

الرمز- يعتبر الرمز وسيلة للتّأثير في القارئ، وهو بمثابة أداة تعبيريّة يستخدمها الشاعر لإيصال فكرته إلى القارئ. وحسب رأي الشاعر المعاصر فإنّ الرمز يتيح لنا قراءة ما وراء النصّ «وهو اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة». في قصيدة «سمر في السجن» هناك عدّة رموز من خلالها يستطيع القارئ أن يشعر بحجم المعاناة.

تجربة الغربة والضياع- في القصيدة يعبّر الشاعر عن مشاعر الغربة والضياع التي مرّت عليه عندما كان سجينًا في «الدامون»، وهذه القصيدة بمثابة تجربة شخصيّة خاضها الشاعر وصوّرها لنا من خلال كلماته حيث تحدّث عن ذكرياته الأليمة التي يستمدّ منها الصمود والقوّة.

الشخصيات التاريخية في قصيدتنا 

 والمسامرات التي كانت تدور في السجن بين السجناء الفلسطينيّين. ويتذكّر أحاديث أحد أصدقاءه

             السجناء الذي كان معه في الزنزانة إذ تحدّث عن قصص البطولات   لشخصيّات عربية

:مثل

     ،عنترة: وهو عنترة بن شدّاد شاعر جاهلي من قبيلة عبس وهو من شعراء المعلقات

.هو رمزًا لكلّ إنسان يرفض الظّلم، ويقاوم ليحّل حقَّه

عبلة: هي عبلة ابنة مالك ابنة عم عنترة رفض أبوها أن يزوجها من عنترة  وهي رمزًا للأرض  المسلوبة

جساس: هو أبو زيد الهلالي أحد أمراء بني هلال بن عامر. من قبيلة بكر يضرب به المثل في القوة  والجبروت وهو قاتل كليب هو رمزًا للبطولة وتحدي المخاطر

أبو زيد الهلالي: هو أحد الرجال الذين ينتمون إلى قبيلة الأشراف، وهي إحدى أهم القبائل العربية، أمّا والده فهو سلامة بن رزق بن نائل بن بني شعيثة بن الهزم بن عامر، اشتهر بالشجاعة والدهاء العسكري، إذ كان قائداً على فرسان بني هلال

ذياب بن غانم: الزغبي الهلالي العامري الهوازني أمير الزغبيين وأحد أمراء بني هلال وأحد أشهر فرسانهم وشعرائهم وعاش في نفس العصر مع أبي زيد الهلالي والأمير الحسن بن  سرحان الهلالي يعتبر أحد أبطال الحكايات الشعبية لتغريبة بني هلال من نجد إلى تونس   

ابراهيم:هو مناضل كان على علاقة بالفلكلور الفلسطيني، كان مع الأسرى في الزنزانة ، صنع ربابة من  ( التّنك ) في السجن ، كان يُعمَر ربابته ويبدأ بالغناء

ما علاقة هذه الشخصيات بالشعب الفلسطيني ؟

  عنترة وقع عليه الظلم برفض زواجه من ابنة عمه ، فقاوم وجاهد حتى يحصل على حقّه   المسلوب بالقوة والشجاعة كما هو حال باقي الشخصيات

  كذلك الشعب الفلسطيني وقع تحت الظلم وسلبت أرضه فهو يقاوم ويجاهد حتى يحصّل حقّه ممن سلبه أرضه  .

  وما أّخِذَ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة .

الأساليب الإنشائيّة

 ضمير المتكلم :استخدم الشاعر ضمير المتكلّم لكي يبيّن إصراره على التضحية من أجل الوطن السليب، ومن خلال أفعال المتكلّم تبرز الوحدة الوطنيّة. ويتجلّى ذلك عندما يخاطب شعبه الذي يعتبره أغلى من روحه. وكذلك استخدم ضمير المتكلّم لبيان معاناته بتجربته المؤلمة في سجن

«الدامون».

أسلوب النداء– «يا شعبي يا عود الندّ» من خلال النداء يحاول الشاعر تنبيه الشّعب لأمر معيّن ويظهر هذا الأمر من خلال البيت الذي يليه: «يا أغلى من روحي عندي» يبيّن الشاعر هنا مدى

حبّه لشعبه وعظمة قيمتهم لديه

أسلوب التشبيه :(لمّا كنّا في أحشاء الظّلمة نسمر) شبه الشاعر الظّلمة بشخص له أحشاء . دلالة على شدة ظلمة الزنزانة في السجن .

(ونحدّث عن صلف الأقزام) شبّه المحتل بالأقزام .دلالة على قلة شأنهم .

(عن عزم يتوثب) شبّه العزم بكائن حيّ يقفز .

(عن أمل يتنمّر) شبه الأمل بالنمر في قوته وطباعه .

(يا شعبي يا عود النّدِّ) شبّه الشاعر شعبه بنبات النّدِّ الذي يتبخر بعوده .

(و(نطول) الغد من ليل الأطماع ) شبّه الحرية بطلوع الفجر ، كما شبّه المحتل بالليل ، فلا يكون تحرير إلّا بانتزاع

                                      الحرية من عمق الأطماع المتمثلة بالاحتلال .

( حتى لا يبقى الزّورق دون شراع ) شبّه الوطن بالزّورق ، وشبّه الشعب بالشّراع .

.شريط مصور- غناء قصيدة” يا عود الند” لفرقة العاشقين الشعبية

المصادر

     س.الجيوسي ،1997،موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر.

.أ.طه،2001،قص الأثر:تأصيل التجربة القصصية

ف.مواسي،2001،دراسات وأبحاث في الأدب العربي،الناصرة

ا.خليل،2019،مدخل لدراسة الشعر الحديث،دار المسيرة للنشر والتوزي

ح.القاعود،2010،تطور الشعر العربي في العصر الحديث ،دار النشر الدولي

  موقع رحلات فلسطينية.https://www.palquest.org/ar/node/14602